أظهرت ميزانية مصرف لبنان أن حجم النقد المتداول خارج المركزي بلغ نحو 77.8 ترليون ليرة في منتصف أيار مقابل 65.5 ترليون ليرة في نهاية كانون أول 2024، بزيادة مقدارها 12.2 ترليون ليرة منذ بداية العام الحالي اي ما يوازي 136.5 مليون دولار.
واذ يطرح هذا الارتفاع العديد من الأسئلة يجيب عليها موقعنا Leb Economy عبر حديث مع الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري يُنشر على حلقتين: الحلقة الأولى تتناول اسباب هذا الإرتفاع وجرى نشرها الاسبوع الماضي (اضغط هنا)، اما الحلقة الثانية فتُنشَر اليوم وتتحدث عن مستقبل سعر الصرف في ظله.
مستقبل سعر الصرف .. هلق من داعٍ للقلق؟
في رد على سؤال حول اذا ما كان اتساع حجم النقد المتداول بالليرة يدعو للقلق، قال الخوري: “الجواب ليس بسيطًا فمن جهة لا يوجد خطر مباشر أو وشيك على الليرة في هذه المرحلة لأن هذه الدورة تعتمد أساسًا على طلب السوق الفعلي على الليرة وليس على طباعة نقد لتمويل العجز أو تغطية نفقات الحكومة كما في الماضي وهذا فارق جوهري يخفف كثيرًا من الضغط النفسي والمضارب على سعر الصرف”.
من جهة أخرى، أردف الخوري: “هذه الدورة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية لأن استمرارها يفترض بقاء الطلب القوي على الليرة واستمرار تدفق الدولارات الطازجة واستمرار قدرة المصرف المركزي على التدخل في السوق بحرفية عالية”، متخوفاً من أي خلل في أحد هذه العناصر قد يعيد فتح الباب أمام دوامة التضخم ومخاطر سقوط العملة.
أما على مستوى سعر الصرف، فإعتبر الخوري أنه من الخطأ النظر إليه كنتاج للمعروض النقدي فقط، صحيح أن زيادة الليرات في السوق تزيد الضغوط التضخمية على المدى المتوسط لكن في الحالة اللبنانية هناك أيضًا عامل نفسي وسوقي بالغ الأهمية: توقعات الناس. فالسوق اللبناني حساس للغاية للإشارات السياسية والمالية وأي اهتزاز في الثقة سواء بسبب أزمة حكومية أو تعثر في المفاوضات مع صندوق النقد قد يخلق ضغوطات على سعر الصرف حتى لو لم يكن هناك تغير جوهري في الكتلة النقدية ينعكس ضغوطاً على احتياطات مصرف لبنان بنفس الطريقة، وأي خبر إيجابي مثل انطلاقة فعلية لخطة إصلاحية أو تطمينات مالية مقنعة قد يجمّد أو حتى يعكس الضغوط السعرية، و”هنا نتحدث عن اقتصاد مشبع بسلوكيات الهروب إلى الأمام أو الهلع الجماعي، أكثر مما نتحدث عن اقتصاد يسير وفق قواعد العرض والطلب الكلاسيكية”.
لكن السؤال الأكثر راهنية هنا: إلى أين نتجه؟ في هذا الإطار، يقول الخوري: سنبقى ندور في دائرة متوسطة من الاستقرار الهش حيث يتم التحكم بالتقلبات اللحظية عبر التدخلات الفنية لمصرف لبنان دون علاج الأسباب العميقة. أما إذا أراد لبنان فعليًا الخروج من هذا الوضع، فلا بد من إعادة هيكلة واسعة للمالية العامة تبدأ بإصلاحات جذرية في القطاع العام، وتنتهي بوضع خطة متكاملة لإستعادة الثقة بالنظام المصرفي وتوحيد أسعار الصرف المتعددة، وتوجيه الاقتصاد نحو قطاعات إنتاجية حقيقية بدلًا من الاعتماد على الدورات النقدية المعقدة.
وختم الخوري: السياسة النقدية اليوم تُمارس بدقة، لكنها لا تملك القدرة السحرية على إنقاذ الاقتصاد إذا استمرت السياسة المالية والاقتصادية في الفوضى نفسها. النقد وحده لا يصنع المعجزات، المطلوب قرار سياسي شجاع ينقل لبنان من إدارة الأزمة يومًا بيوم إلى خطة شاملة تعيد بناء ركائز الاقتصاد المتهالكة. من دون ذلك سنظل نُخدّر أنفسنا بتوازنات قصيرة المدى، فيما الأرضية تهتز من تحتنا ببطؤ.
للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا