للمرّة الاولى منذ عهد حاكم مصرف لبنان إدمون نعيم، لن يبقى تسعير سعر صرف الليرة من مسؤولية البنك المركزي بل ستتولّاها منصّة «بلومبرغ» حين تنطلق، وستصبح السوق هي العامل الاساس في تسعير العملة المحلية التي ستعكس من ناحية المبدأ التغيرات الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد. وفي الاسباب الموجبة لاطلاق منصّة بلومبرغ ما يلي:
– الحاجة الى استراتيجية لاعادة اعتماد الليرة كعملة تداول وعملة ادّخار، بعد ان أصبحت السيولة النقدية المتداولة بالليرة، حالياً، اقلّ من الحدّ الادنى القائم لأي عملة محلية متداولة في العالم، مع الاشارة الى ان حجم الكتلة النقدية في التداول بالليرة يبلغ ما يعادل 600 مليون دولار حالياً في اقتصاد ناتجه الرسمي 18 الى 20 مليار دولار، اي ان الليرة باتت عملة لا تغطّي سرعة تداول النقد بالاقتصاد. واصبحت الحاجة اليها شبه معدومة بعدما بات الاقتصاد مدولراً بنسبة كبيرة. كما اصبحت الليرة عملة انتقالية لفترة قصيرة ولم تعد تعتبر عملة ادّخار.
– لم تعد سياسة تثبيت سعر صرف الليرة المعتمدة من قبل البنك المركزي لغاية 2019، ممكنة، لانها تحتاج الى موارد مالية كبيرة ولانها اثبتت نتائجها السلبية مع اندلاع الازمة.
– أثبتت سياسة تسعير سعر الصرف عبر منصّة صيرفة، بالاضافة الى انها مكلفة، فشلها ايضاً وأدت الى استنزاف احتياطي البنك المركزي ولم تؤدِ الى استقرار سعر الصرف كما كان مرجوّاً منها، بالاضافة الى باب المراجحة الذي ولّدته صيرفة والارباح التي حققها أفراد وجهات معينة.
في اطار تلك الاسباب التي عدّدها عميد كلية ادارة الاعمال في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا بيار الخوري، رأى ان اعادة خلق او ايجاد الليرة في السوق يحتاج الى مكان شفاف تتم تلك العملية من خلاله، أي من خلال منصّة «بلومبرغ». مضيفاً ان الاسباب الموجبة أيضاً بالمعنى الاقتصادي والسياسي، تتمثل بتوجّه الى حلول كبرى، من ضمنها حلّ مجموعة من الامور في لبنان مثل الوضع المالي، انتظام عمل مؤسسات الدولة خصوصاً في ما يتعلّق بالنقد والمال، مواكبة الاقتصاد الجديد المرتبط بالموارد النفطية، وهي عوامل تستوجب جميعها اعادة تفعيل العملة المحلية لضمان اعادة انتاج سياسات مالية ونقدية مرتبطة
شروط نجاح الاستقرار النسبي
أما شروط نجاح منصّة «بلومبرغ» للحفاظ على استقرار سعر الصرف فهي:
– إنجاز حوكمة صحيحة للسياسة المالية في لبنان والفصل بين السياسة المالية والسياسة النقدية، اي التزام البنك المركزي بعدم تمويل عجز الدولة كما جرت العادة، مما ساهم في انهيار سعر صرف الليرة والمصارف. وان تكون الدولة مسؤولة عن ايراداتها ونفقاتها، وان تصرف النظر عن اللجوء الى المصدر المالي السهل وهو طباعة العملة من خلال مصرف لبنان.
– أن يرتبط ضخ سيولة اضافية بالليرة في السوق من قبل مصرف لبنان فقط بحاجات ونمو الاقتصاد اي لتمويل الاقتصاد وليس لتمويل مؤسسات الدولة غير المنتجة، مما سيؤثر على التضخم وبالتالي على سعر الصرف. وفي حال فعّلت الدولة سياساتها المالية واعادت تفعيل مؤسساتها واداراتها وحسّنت جبايتها ورفعت ايراداتها، يمكن لمصرف لبنان التدخل عبر ضخ كميات اضافية من الليرة في السوق وسحب الدولارات من اجل اعادة تكوين احتياطاته.
– أن يكون هناك سعر للعرض والطلب على المنصة (bid and ask) بهدف اظهار السعر الحقيقي للدولار المتداول مقابل الليرة من اجل تشجيع المتداولين على تركيز عملياتهم عبر المنصّة.
– ومن أجل الحدّ من المضاربات، يجب الاعلان عن وقت وحجم كميات الدولارات التي يتم شراؤها وبيعها عبر المنصة (time and sales) اي بيانات المبيعات وتاريخ وساعة التداول.
– الحفاظ على فائض في ميزان المدفوعات اي على تدفق الدولارات الى البلاد مما يصبّ في صالح دعم سعر صرف الليرة.
– الاستقرار الامني في البلاد خصوصاً في الجنوب كون التوترات الامنية في المنطقة وفي الداخل قد تؤثر سلباً على سعر الصرف (علماً ان هذا العامل هو بمثابة امر واقع وليس شرطاً لنجاح المنصّة في استقرار سعر الصرف).
– ضرورة ان يقابل تثبيت حقوق المودعين عبر تحرير سعر الصرف في القطاع المصرفي، تقييد السحوبات للحفاظ على حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة في السوق.
واعتبر الخوري انه في حال بقي حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة على حاله اي بحدوده الدنيا، فان منصّة بلومبرغ ستسهم في رفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار بسبب الحاجة الكبيرة للسيولة بالعملة المحلية مقابل حجم الكتلة النقدية الضئيل جدّاً في التداول. والدليل على ذلك، أسعار فوائد الانتربنك المرتفعة، وحجم الكتلة النقدية بالتداول نسبة الى حجم احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية الذي يغطي 15 ضعفاً حجم الكتلة النقدية.
أما الخبير المالي وليد أبو سليمان فرأى ان اظهار حجم وكميات المبيعات وتوقيتها المحدد واسعارها، سيزيد من الشفافية وسيحدّ من المضاربات الكبرى، كما ان اظهار السعر الحقيقي للعرض والطلب سيجذب المتداولين الى المنصّة وسيؤمّن بالتالي السيولة المطلوبة للتداول ويحدّ من اللجوء الى السوق السوداء. في حين اعتبر الخوري ان المضاربة أمر طبيعي وقائم في الاسواق المالية الدولية، إلا ان المراجحة التي كانت سائدة في السابق هي غير الطبيعية لان الفرق بينهما ان المضاربة (speculation) قد تؤمّن الربح لكنّها في المقابل محفوفة بالمخاطر، لكنّ المراجحة (arbitrage) تحقق ربحاً مضموناً من دون المخاطرة.