الخوري للبنان ٢٤:في ظل الانهيار وغياب الدولة قانون البقاء يرحب بالجريمة المنظمة

لم يعد من المهم تحديد الرقم الذي وصل او سيصل اليه سعر صرف “الدولار” في السوق الموازية، ولم يعد مهما ان تراجع قليلاً الى الوراء او تقدم كثيراً الى الامام، اذ انه وبغض النظر عن حركة “الدولار” باتت حياة المواطن اللبناني رهينة للتضخم الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه ولارتفاع اسعار الخدمات والسلع على حدّ سواء.

لذلك كيف يمكن قراءة واقع الدولار الحالي في لبنان وتأثيراته على مختلف الخدمات التي يحتاجها المواطن؟

“صيرفة” و دولار السوق الموازية
في هذا الاطار أكد الخبير الاقتصادي بيار خوري لـ” لبنان 24″ انه “من الواضح ان الانخفاضات المتتالية التي شهدتها اسواق صرف الدولار بفعل التدخلات التي قام بها مصرف لبنان عبر منصة “صيرفة” تحولت الى “مورفين” او نوع من انواع المهدئات للشعب اللبناني ولمجموعة من المصالح الاقتصادية والمالية الخاصة ببعض الصرافين وبعض المصارف، اذ انه بشكل او آخر يمكن اعتبارهم المستفيد الأول من الحركة التي تشهدها (صيرفة).
وبالتالي، الاستفادات المشار اليها لا يمكن مقارنتها بالمنافع الضئيلة التي تعود على المواطن والتي تأتي بنتيجة المحاولات المستمرة لخفض سعر الدولار، ومن الجدير ذكره ان محاولات تخفيض سعر الدولار ينتج عنها في كل مرة ارتفاع سريع في سعر صرفه ، فيصل سعره الى ما يفوق سعر “صيرفة” بمرتين.

لكن اليوم، وامام بعض المستجدات، بات الحديث عن ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية وثباته على رقم قريب من سعر (صيرفة) مضروب باثنين غير ممكن، وذلك لان (صيرفة) باتت تسير بشكل تلقائي واوتوماتيكي خلف سعر الدولار في السوق الموازية ما يجعل ارقامهما قريبة جدا وهذا ما شهدناه منذ بداية وصول الدولار الواحد الى ما يقارب الـ70 الف ليرة لبنانية.

ومنذ ذلك الحين أصبح المؤشر السعري الخاص بمنصة (صيرفة) مستتبعا للسوق الموازية، وهذا الاستتباع السعري انتقل من مرحلة استتباع الاتجاه الى الاستتباع المباشر، اي انه ومباشرة عند ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ترتفع ارقام (صيرفة) دون اي انذار مسبق”.

“صيرفة” و الدولار الجمركي
ويرى خوري ان “تأثير (صيرفة) على الحياة الاجتماعية في لبنان كبير وغير مضبوط، لان الخدمات العامة والرسوم في لبنان وُضعت على سلم متحرك غير ثابت، وهذا ما شهدنا تطبيقه في عالم فواتير الكهرباء والاتصالات الخلوية كما في تسعير (الدولار الجمركي) الذي بدوره اصبح لديه آلية ارتفاع سعري غير مرتبطة باي قرارات او اجراءات روتينية.

وفي هذا المجال، لا بد من الاشارة الى ان الدولار الجمركي قد يشهد مع الايام المقبلة المزيد من الارتفاع، اذ ان الاتجاه هو المواءمة ما بين سعره ونسب التضخم المرتفعة في البلاد.

وهذه الخطوات المشار اليها اكان عبر الرفع المتواصل لـ(صيرفة) او رفع (الدولار الجمركي) يمكن وضعها في خانة محاولة الدولة ترميم وارداتها بغض النظر عن الاثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن هذه الخطوات، فالمعادلة اصبحت وفقا للشكل التالي: كلما ارتفع دولار السوق الموازية ترتفع (صيرفة) والضرائب المتعلقة بها والدولار الجمركي وبالتالي ترتفع ايرادات الدولة، وهذا ما قد يشير الى غياب اي خطة فعلية وممكنة لمحاربة نسب التضخم الكبير التي يعاني منها المواطن”.

مشهد اجتماعي كارثيّ
ويشير الخبير خوري الى انه “أمام الواقع المشار اليه اعلاه، يمكن الجزم اننا امام مشهد كارثي مكتمل المواصفات على الصعيد الاجتماعي والمعيشي في لبنان، وذلك على الرغم من وجود فئة اجتماعية واسعة في لبنان تمكنت من تحقيق مداخلها وفقا لأرقام ثابتة بالعملة الصعبة.

وانطلاقا من هنا، لا يمكن غض النظر ابدا عن فئة اجتماعية وازنة وواسعة اخرى في لبنان ما زالت تستلم اجورها بالليرة اللبنانية، ما يدفعها لممارسة أكثر من مهنة في محاولة لخلق توازن اقتصادي لحياتها.

فعلى سبيل المثال، بات من غير الممكن لاي عائلة تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية ان تستمر في تأمين الحدّ الادنى ( غذاء، كهرباء، هاتف وتنقل) من متطلبات الحياة بحال لم يقدم مختلف أفرادها على العمل وتأدية اكثر من مهنة في الوقت نفسه.

وهذه الفئة الاجتماعية تُجبر بشكل او آخر للذهاب مرغمة الى الدخول في نفق من مظلم من انواع الجريمة المتعددة والمختلفة نظرا لان قانون الحياة والبقاء يبقى دائما اقوى من قانون الحق”.

الخوري للنهار: لبنان عاجز عن التعامل مع اي زلزال محتمل

يشعر اللبنانيون منذ الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، بهزات أرضية، الأمر الذي أصاب البعض بذعر شديد وعوارض غريبة، خصوصاً لعدم ثقة اللبناننين بأجهزة الدولة لمواجهة أي كارثة جراء وقوع زلزال في لبنان.
الخبير الاقتصادي بيار خوري أكد لـ”النهار العربي” أنه “لا يمكن للطبقة الحاكمة ووزاراتها والموارد المتاحة في الاقتصاد اللبناني أن تستوعب كارثة بحجم زلزال قد يتعرض لبنان له… إذا كانت تركيا تمكنت من استيعاب تداعيات الكارثة عليها وعلى ناسها، فهي احتاجت الى مساعدات ملحة وسريعة وفرق إغاثة دولية لتسريع عمليات الإنقاذ للعالقين تحت الأنقاض”. ولفت إلى أن تركيا “أنها دولة مكتملة من حيث الأجهزة المناط بها إدارة الكوارث، من مستشفيات قادرة على توفير العلاجات والأمكنة الخاصة بالإنقاذ والفرق الإغاثية والطبية وإنشاء البيوت الموقتة لمن فقدوا بمنازلهم جراء الزلزال واللجوء الى تدابير سريعة لترميم طارئ للبنى التحتية لناحية الكهرباء والاتصالات وصولاً الى التعويض على المتضررين لناحية توفير الحاجة الى المساعدة الآنية…”.
أما في لبنان فالوضع مغاير كلياً. فبرأي خوري إن “المشكلة تتجاوز سرعة الإنقاذ لتطاول غياب أي موارد وأجهزة فاعلة رسمياً وما شابه رغم وجود الهيئة العليا للإغاثة – لتوفير التسهيلات التي تصب في عمليات الإغاثة وإدارة الكوارث…”.
ولفت خوري الى أنه “بعد حدوث الارتدادات على لبنان جراء زلزال تركيا وسوريا، لاحظ بعض المراقبين الاقتصاديين أن المواطنين لجؤوا الى الامتناع عن الانفاق – لا سيما من يعتمد منهم على أجرهم الشهري أو تحويلات تأتيهم من الخارج”. وقال “إن إدخار المال بعد الزلزال هو أيضاً جاء عند البعض كردة فعل أو خوف من غياب معيل للعائلة أو أي مصدر رزق جراء وقوع أي زلزال…”.
وشدد على أنه من المهم “التوقف عند تداعيات زلزال سوريا على لبنان، لا سيما أن لبنان لا يمكنه تحمل أي نزوح جديد من سوريا”، متسائلاً عن أثر تدفق النازحين عبر الحدود من سوريا الى لبنان، ومشيراً الى أن هذا الكلام يستند على تصريح وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين، الذي نبّه إلى عجز لبنان عن إستيعاب اي أعداد اضافية للنازحين”.

الخوري: تعبير تهريب العملة غير علمي في اقتصاد مفتوح

رغم الإنهيار الدراماتيكي والتاريخي لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، يؤكد الخبراء غياب النية لدى مصرف لبنان والحكومة اللبنانية لضخ الدولار في لبنان خشية تهريبه الى مصر وسوريا خصوصاً في ظل حاجة سوريا لدولارات لبنان لإستيعاب تداعيات الزلزال المدمر الذي تعرضت له.
فكيف يمكن بالمفهوم الإقتصادي تهريب الدولارات من لبنان الى سوريا ومصر؟

في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي د. بيار الخوري ان “هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة حول تهريب العملة أهمها ما يشاع منذ مدة طويلة عن تهريب الدولارات من لبنان الى سوريا، وحالياً بدأنا ايضاً نسمع أخباراً جديدة تتحدث عن تهريب الدولارات من لبنان الى مصر”.

ولفت الى انه “ليس هناك في المنطق الإقتصادي ما يتحدث عن تهريب الدولار من اقتصاد الى آخر أو من دولة الى أخرى من دون ان تكون تلك عملية سرقة للعملات الأجنبية او المعادن الثمينة كالذهب، وغير ذلك الدولارات لا تهرّب بل تخرج ارادياً من مالكها في بلد ما الى بلد اخر، وهو فعلياً مالك المال ويحق له التصرف بماله خاصة في النظام اللبناني الذي لا يضع قيود على تحويل العملات او المعادن”.

وقال: “على سبيل المثال، اذا أراد البنك المركزي المصري، وهو أمر مستبعد تماماً، ان يحصل على دولار من لبنان فهناك أسباب اقتصادية ستدفع من يحمل الدولار في لبنان الى تحويله الى مصر او حمله بالشنطة والذهاب الى مصر، وإما سيكون هناك بضائع او خدمات سوف يوفّرها الإقتصاد المصري للإقتصاد اللبناني تخرج في مقابلها هذه الدولارات، وفي غير هاتين الحالتين سيكون هناك عملية سرقة للدولارات وأخذها بطريقة غير مشروعة الى بلد اخر”.

وأضاف: “السرقة غير واردة، ونحن لم نسمع ابداً عن عمليات سرقة لدولارات من دولة الى دولة. ويبقى الاحتمالان الآخران وهذان لا يمكن اعتبارهما تهريب اذا وُجِدا، بل هناك تحويل للعملة مقابل خدمات معينة او مقابل فرص استثمارية اخرى”.

وأشار خوري الى انه “بالنسبة لسوريا يكثر الحديث عن أن عقوبات قيصر تدفع سوريا للإستناد للإقتصاد اللبناني من أجل توفير الدولارات لإقتصادها، ولكن لنسأل أنفسنا سؤال بسيط: كيف يحصل ذلك؟ هل هناك أناس تأتي بالليرات السورية الى لبنان وتحوّلها الى دولارات؟ ومن يأخذ هذه الليرات، أليسوا الصرافين اللذين يحسبون حساب أرباحهم ويعيدون شحن هذه العملات الأجنبية من لبنان اذا لم يجدوا مشترين لها في لبنان او سوريا؟ أليس هناك أسباب إقتصادية بحتة تدفعهم لبيع الدولار الذي في حوزتهم لمن اتى حاملاً الليرة السورية مطالباً تحويلها الى الدولار الأميركي؟”.

ولفت إلى انه “في حال اتى شخصاً من سوريا حاملاً ليرات لبنانية، فهذه مسؤولية السلطة التي تصدر الليرات، كما ان هناك سبب اقتصادي دفع هذه الليرات الى ايدي هذا الشخص. وفي تلك الحالة من حق هذا الشخص تحويل أمواله الى دولار وفقاً للنظام الرائج في لبنان، وهذا لا يمكن اعتباره تهريب للعملة”.

وشدد على ان “تهريب العملة يتم في حالة واحدة وهو اذا كان هناك قيود على تحويل العملات ويقوم أصحاب الحق الإقتصادي بتهريب حقوقهم الى دول اخرى، وهذه هي الحالة الوحيدة التي تُعرّف بتهريب الأموال عبر الحدود. وفي لبنان هذه الحالة غير موجودة، فالناس تخرج أموالها من لبنان لأسباب متعددة منها الحفاظ على أمان المال، لكن هذا شيء والتهريب شيء آخر ففي لبنان ليس هناك أي قيود على إخراج الأموال بالعملات الاجنبية”.

واعتبر خوري ان “تهريب البضائع مسألة مختلفة لا علاقة لها بتهريب الدولارات، اذ ان تهريب البضائع يعود على لبنان بالدولارات أكانت قبضت بالليرة السورية او بالعملة الأجنبية لأن هذه الليرة السورية سيعاد شحنها والتاجر او الطرف الذي قبضها سوف يضمن مخاطرها قبل إعادة شحنها بحيث لا تؤدي الى خسارة تجارية له”.

وأكد ان “لبنان قد يخسر من تهريب البضائع المدعومة اذا وجدت، غير ذلك لا يمكن للبنان ان يكون خاسراً من تهريب البضائع الى سوريا”.

Lebeconomy