الخوري لمجلة الافكار: لقد جربت الدولة كل انواع الحلول الفاشلة

الازمة في لبنان تتفاقم يوما بعد يوم، والمواطن ينتقل من وضع اشبه بالسيئ الى الاسوء، فهل من حل قريب للازمة؟ وماذا عن قرار دولرة كافة الأسعار؟ هل هو وليد اللحظة أم انه نتيجة حتمية لمخطط مسبق؟وهل اجراء كهذا يعتبر مدخل لحل الازمة؟

بداية اكد الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري انه لا يمكن للدولة ان تكون سيدة على اراضيها و مواردها وسياساتها من دون ان يكون لديها عملة وطنية سائدة على كل اراضيها ، علما ان الدول التي تنحى باتجاه الدولرة هي دول تخرج عن الوظائف الاساسية لممارسة السلطة بكل معنى الكلمة ، وقد شهدنا ظواهر دولرة واسعة باقتصادات اميركا اللاتينية والوسطى في مراحل معينة وهذا يدل على عدم قدرة السياسات على حماية العملة بصفتها احد اوجه السيادة الوطنية.

د- الخوري والدولرة!

*- وماذا عن لبنان والدولرة؟

اما بالنسبة للبنان، إن النزوع الى الدولرة هو ناتج عن مسار طويل انفجر بشكل اعنف عام ٢٠١٩ بمنحى تضخمي تحرك من خلال سعر صرف الدولار وخسارة الموارد المصرفية و اضطرار الدولة بعد انهيار وارداتها للذهاب لطباعة العملة من خلال مصرف لبنان ان لتغطية العجز في موازنتها و ان لاستكمال سياسة تذويب الودائع من خلال دفعها بالليرة اللبنانية اضافةً الى ارتفاع الاجور في القطاع العام و زيادة التضخم بنسبة ١٧٠٠٪، خلال ثلاث سنوات و هو ما يعني الحاجة الى طباعة مكثفة لليرة اللبنانية في ظل غياب النمو الاقتصادي حيث انخفض حجم الاقتصاد اللبناني بحدود الثلثين فضلاً عن غياب الواردات الحكومية.

*-وكأنك تشير الى ان اجراء الدولرة ليس وليد اللحظة؟

إن مسار تعميم الدولرة بدأ تدريجياً منذ ثلاث سنوات لأنه لم يبن على سياسات دولة رشيدة. تستطيع الدولة ان تذهب الى نوع التسعير الذي تريده لكن يجب ان يكون ذلك جزءً من خطة عامة، والتي بسبب غيابها ذهبنا الى دولرة الامر الواقع في السنوات الثلاث الماضية وحالياً دخلنا في تشريع الدولرة الذي بدأ مع منصة صيرفة حيث بدأ التسعير عبرها للخدمات العامة كالاتصالات والكهرباء وتحصيل الضرائب بنفس العملة ، كماً انه كان هناك اتجاه عام من قبل الدولة لشرعنة الدولرة من قبل القطاع الخاص والان استكملت بدولرة اوسع قطاع استهلاكي في البلد وهو السوبرماركت.

*- وما اثر هكذا إجراء؟
إن دولرة الاسعار تؤدي الى تثبيت المزيد من اللاتوازن بين العرض والطلب لان معظم اصحاب الاجور في لبنان ما زالوا يحققون مداخيلهم كليا او جزئيا بالليرة اللبنانية سيما القطاع العام الذي هو قطاع ضخم اضافةً الى ان القطاع الخاص اما يدفع جزئياً بالدولار واما يدفع بالليرة اللبنانية . ان هذا الامر يدفع الى زيادة الصدمات النفسية الاجتماعية، التي تؤدي الى ان يبحث الموظف عن مداخيل من خلال السمسرة والرشوة والمزيد من الفساد من اجل تعويم راتبه كي تلحق مستوى الاسعار في البلد التي تفاقمت مع التسعير بالدولار.

وتابع د. الخوري قائلا:
في اي حال لا يمكن النظر الى اتجاه الدولرة سوى عبر بالاعتراف بان الليرة لم تعد قادرة، في ظل تعدد اسعار الصرف مهما بلغت، على لعب دور العملة بصفتها الوظيفية المثلثة: حافظ القيمة، وحدة احتساب ووسيط تبادل. واذا كان يمكن النقاش في كون الليرة لا زالت تحتفظ بدور وسيط التبادل في بعض الاسواق خاصة في سوق العمل والضرائب والرسوم، فالليرة قد غادرت منذ العام 1984 دورها كوحدة حساب، حيث ان الدولرة الضمنية كانت طاغية في حساب التكاليف والاسعار منذ ذلك التاريخ مرورًا بسنوات استقرار الليرة بعد الحرب حتى يومنا هذا. اضيف للاعتبار الاخير الانهيار العملة الوطنية منذ صيف العام 2019 لتفقد بالتدريج دورها كحافظ للقيمة.

الليرة ووضعها!

*- الليرة يبدو وكأنها فقدت قدرتها كوحدة حساب فما النتائج المترتبة على ذلك؟

ان خروج الليرة المتدرج من وظائفها هو ايضًا نتيجة للعجز عن تحرير سعر صرفها وتكبيلها بتعدد جبري لاسعار السوق لا يتوافق مع المنطق الاقتصادي ومصلحة اللاعبين الاقتصاديين. بهذا المعنى لا يمكن النظر بغرابة الى موضوع السماح لمراكز البيع الكبرى بالتسعير بعملة ثابتة.
وتابع د. الخوري قائلا:
يسمح ذلك اولًا بتقليص مخاطر التسعير على كلفة الانتاج في ظل تقلبات سعر الصرف اليومية، كما يسمح يحافظ على استقرار حجم الاستثمار في الراسمال العامل من نقدية ومخزون وتامين التوازن القيمي بين الاصول الجارية والخصوم الجارية في ميزانيات مراكز البيع.

المشكلة في هذا النوع من التسعير انه لا يراعي عناصر الكلفة من غير كلفة البضاعة المباعة التي تدخل في احتساب اسعار الرفوف. النهائية.

*- اذا كانت المؤسسة ستقوم بتسعير بضائعها بناء لمبدأ الكلفة زائد الهامش الربحي، علما ان كل ما تدفعه بالليرة اللبنانية ، او بسعر اقل من سعر السوق الحر(السوق السوداء) واحتسبت هامش الارباح وقامت بالتسعير، فما الذي سيحصل عند اي ارتفاع اضافي لسعر صرف الدولار الحر؟

في الواقع سوف يشكل ذلك فرصة لمراكز البيع للابقاء على اسعارها المدولرة والمزيد من تعظيم ارباحها على حساب الكلفة الحقيقة للخدمات المؤداة بالليرة اللبنانية. هذه الخدمات تتصل اساسًا بالاجور ولواحقها المؤداة بالليرة ، ولكن ايضًا بفواتير الكهرباء من مصدر كهرباء لبنان والهاتف والماء والرسوم البلدية والكثير من انواع النفقات التي لا زالت تؤدى بالليرة اللبنانية، يشمل ذلك فواتير الهواتف الخليوية والداتا التي تسدد على سعر صيرفة البعيد نسبيًا عن عملة تسعير الرفوف.

*- وماذا عن المنافسة واهميتها في التسعير؟

هناك من يقول انه بسبب قانون المنافسة وتقلص حجم السوق سوف تعمد مراكز البيع لتخفيض اسعارها بالدولار مع كل تخفيض بالكلفة للحفاظ على زبائنها وتوسيع قاعدتهم على حساب صغار التجار وباقي الاقران المنافسين. يحتاج هذا الكلام الى الكثير من طيبة القلب لتصديقه، والى قلة ادراك بقوانين المنافسة الاحتكارية التي يميز عمل هذا القطاع. هذا قطاع لديه شبه نقابة وهو يعمل بناء للمصالح المشتركة لعدد قليل من العارضين رغم هواش المنافسة التي تسمح بها طبيعة السوق وضرورات تمييز المؤسسات عن بعضها.

وتابع د. الخوري قائلا:

لا يمكن الرهان على قوانين المنافسة لتبرير صحة التسعير بالدولار طالما لا توجد دولرة شاملة للاقتصاد او تحرير شامل للاسعار وبخاصة دولرة اسعار العمل او ايجاد سلم متحرك لتقويمها مربوط بمعدلات التضخم الشهرية.

ما هو برأيكم حجم الاكلاف غير المقدمة بالدولار في مراكز البيع؟
بحسب مقياس فوربس المرجعي، فان قطاع المفرق الكبير يتمتع بنسبة اجور الى مجموع المبيعات تبلغ (12.6%)، اي ان هذا القطاع ورغم ان النسبة في لبنان قد تكون ادنى بسبب انهيار الاجور، يمتلك حرية تحقيق ارباح اضافية مع كل انهيار اضافي في سعر الصرف تشمل مساحة مشكلة من نسبة وازنة من عناصر الكلفة.

د- الخوري والحل!
*-وما الحل للتسعير إذن؟

على وزارة الاقتصاد ان توجد معادلة اكثر حوكمة واكثر عدالة واكثر واقعية لتحديد سعر الرف العادل، ولماذا لا يكون هناك منصة خاصة لاسعار مواد الاستهلاك (على غرار منصة صيرفة او جزء من متحورات هذه المنصة) تقوم على معادلة تفرق بين طبيعة الاكلاف بما يحمي رساميل وارباح مراكز البيع دون تعريض المستهلك لاعباء اضافية.

*- وما حل الازمة في لبنان وهل بات ذلك وشيكا؟

الازمة في لبنان متراكمة ومعقدة وقد زاد من عناصر تعقيدها الانهيار السياسي بعد العجز عن تجديد الاستحقاقات الدستورية ووظائف الفئة الاولى.
لقد جربت السلطة وصانعي السياسات كل انواع المقاربات المتسرعة وقصيرة النظر للتعامل مع الازمة، ولم يمنع ذلك تسارع مؤشرات الانهيار. بافتراض حصول حل سياسي، فان ذلك لا يضمن حلاً اقتصادياً مستداماً.
المدخل للحل الاقتصادي يقوم على تعويم سعر الليرة ووقف التدخل الملتبس لمصرف المركزي في سوق القطع والذي ادى اضافة الى سياسات تمويل الدعم (التي كانت ملتبسة بدورها) الى استنزاف العملات الصعبة. ذلك هو المدخل، اما الخروج من الازمة فهو متعدد الابعاد ويحتاج سياسات ثورية للضرائب والاجور وإعادة هيكلة وحوكمة النظام المصرفي والقطاع العام.

الخوري لسكاي نيوز عربية: الذهب والمشفرات اكبر المستفيدين من الازمة العالمية

يبدو أن صفقة استحواذ بنك “يو بي إس” على نظيره المتعثر كريدي سويس نجحت في بث الطمأنينة في الأسواق الأوروبية، بدعم من الجو الإيجابي العالمي الذي رافق الإعلان عن هذه الخطوة، ومن تصريحات رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، التي أعلنت أن البنوك في منطقة اليورو تمتلك مستويات رأس مال وسيولة أعلى من المتطلبات التنظيمية، مؤكدة استعداد البنك المركزي لدعم الاستقرار المالي.

وأعلنت السلطات التنظيمية السويسرية الأحد الموافق 19 مارس 2023، عن استحواذ بنك يو بي إس على كريدي سويس، مقابل 3 مليارات فرنك سويسري (3.23 مليار دولار)، وهي خطوة سهلتها الحكومة الفيدرالية السويسرية، ورحب بها كل من المركزي الأوروبي والخزانة الأميركية.

مؤشرات أوروبا وأميركا تغلق مرتفعة

وأنهت مؤشرات الأسهم الأوروبية والأميركية جلسة تداولات يوم أمس الموافق 20 مارس 2023 على ارتفاع، حيث صعد سهم يو بي إس بنحو 1.3 في المئة، كما صعد مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنسبة 1 في المئة، في حين ارتفع مؤشر فوتسي 100 البريطاني بنسبة 0.9 في المئة، كما وزاد مؤشر داكس الألماني بنسبة 1.1 في المئة، وصعد مؤشر كاك الفرنسي بنحو 1.3 في المئة.

كما صعد مؤشر “داو جونز” الصناعي بنسبة 1.2 في المئة، وارتفع “S&P 500” بنحو 0.9 في المئة، وزاد “ناسداك” بنسبة 0.4%.

وفي المقابل أنهى سهم كريدي سويس تداولات اليوم الأول ما بعد الصفقة على هبوط حاد، بلغت نسبته 55.7 في المئة.

الأسواق تتفاعل مع خطوات 6 بنوك مركزية

وتلقف الأسواق لصفقة يو بي إس وكريدي سويس أتى أيضاً، بدعم من الخطوة التي قامت بها 6 بنوك مركزية رئيسية في العالم، حيث أعلن كل من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك الوطني السويسري والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك كندا وبنك اليابان، عن إعادة إطلاق “خط المبادلة” الذي يعزز تدفق الدولار الأميركي عبر النظام المالي العالمي، وهو “الخط” الذي تم تطويره عقب الأزمة المالية في 2008.

وبموجب هذا الإجراء الذي بدأ العمل به اعتبارا من يوم الاثنين 20 مارس 2023، ستتمكن البنوك في الدول المذكورة، من الاقتراض مباشرة وبشكل يومي من المصارف المركزية، بدلاً من اللجوء إلى السوق المفتوحة، في خطوة مهمة ستقلل من الضغوط في أسواق التمويل العالمية.

الشيطان يكمن في التفاصيل

ويقول المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ماس” للاستشارات مازن سلهب، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه رغم أن العنوان العريض لصفقة استحواذ يو بي إس على كريدي سويس، قد يكون جيداً لناحية إن بنكاً مهماً سيستلم زمام المبادرة، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأهمها أن حاملي سندات كريدي سويس، لن يحصلوا على شيء بعد شطب 17 مليار دولار من هذه السندات، وهذا بالضبط ما سيخيف الأسواق، وخاصة في القارة الاوروبية في سوق سندات البنوك، الذي يبلغ حجمه تقريباً 270 مليار دولار أميركي.

سابقة تاريخية

وبحسب سلهب فإنه من المستغرب أن حملة أسهم كريدي سويس، الذين سيحصلون على سهم واحد في يو بي أس، مقابل كل 22.48 سهما في كريدي سويس، سيكون وضعهم أفضل من حملة سنداته، وهذه قد تكون سابقة تاريخية، لأن السندات عادة أكثر استقرارا وأمانا، مشيراً إلى أن الأسواق طورت من أدواتها، وتعرف أن دعماً حكومياً، لن يمنع حصول هكذا افلاسات او انهيارات مستقبلية، ما يعني أن العدوى قد تستمر وتمتد.

أعباء جديدة تنتظر يو بي إس

ولفت سلهب إلى وجود أعباء مالية وتنظيمية جديدة على يو بي إس، ستأخذها الأسواق في عين الاعتبار، مع استمرار رفع الفائدة وعدم ثقة المستثمرين عموماً، مؤكداً أن الأسواق لا تفضل عادة التدخلات الحكومية.

ورأى أنه حتى يصبح تدخل البنوك المركزية فعّالا بشكل أكبر، يجب ألا يكون كردة فعل كما هو الآن، بل يجب أن يتحول إلى سياسة وقائية، بقوانين قوية واجراءات شاملة، تضمن إلى حد كبير عدم تكرار هكذا حوادث، وغير ذلك سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة، من الإجراءات الروتينية والتدخلات الهادف للإنقاذ، دون أن ننسى أن تبعاتها الكارثية وخاصةً على سوق العمل في حال افلاس البنوك أو الاندماج.

من المستفيد اليوم؟

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المستفيد الأكبر مما يحصل في الأسواق اليوم، هما الذهب والعملات المشفّرة، وهذا ما يبرر ارتفاع أسعارها، حيث أن المستثمرين الذين يبحثون عن الأمان اتجهوا صوب الذهب، في حين أن المستثمرين الذين يبحثون عن تحقيق عوائد رغم وجود مخاطرة، فقد اتجهوا للأصل المعاكس للذهب وهي العملات المشفّرة.

ويشرح الخوري أن أسعار الذهب والعملات المشفرة، بدأت مسارها التصاعدي قبل أزمة بنك سيليكون فالي، إلا أن سقوط البنك أنعشها ومن ثم أتت أزمة كريدي سويس لتعزز من ارتفاعها، في الوقت الذي يقوم فيه المستثمرون بإعادة تشكيل محافظهم الاستثمارية، في ظل الوضع الجديد القائم، لافتاً إلى أن هروب المستثمرين نحو هذين الملاذين، يشير إلى أن هناك موجة كبيرة من السحوبات، تطال الأموال المودعة في البنوك، ومن هنا يأتي الخوف الكبير من امتداد الأزمة.

تم استيعاب الصدمة

وبحسب الخوري فإنه يجب عدم الاستعجال بالتحليل والقول إن النظام النقدي العالمي سقط، إذ أن الصدمة المباشرة لسقوط بنك سيليكون فالي وكريدي سويس تم استيعابها، داعياً إلى مراقبة الإجراءات التي ستتخذها المؤسسسات المالية العالمية خلال الايام المقبلة، والتي ستحدد مسار الامور بشكل واضح، لناحية نجاحها بضبط الوضع أو حدوث المزيد من الانهيارات.

وادي ثروات أغنياء العالم

ووصف الخوري سويسرا بأنها وادي ثروات أغنياء العالم، حيث أن إعلان إفلاس بنك كريدي سويس وتصفيته، كان سينعكس على سويسرا كلها، وهذا ما دفع بنك يو بي إس للتدخل خوفاً من امتداد الأزمة إليه، مع تهافت المودعين على سحب أموالهم، مشيراً إلى أن قيمة صفقة الاستحواذ على كريدي سويس، البالغة نحو 3 مليارات دولار تعتبر زهيدة، وقبول إدارة المصرف بهذا الرقم، دليل على مدى الضعف الذي يعاني منه كريدي سويس.

الخوري للجمهورية: هذا ما كشفته ميزانية المركزي الاخيرة

تظهر أرقام ميزانية مصرف لبنان الاخيرة تراجعاً كبيراً للنقد بالتداول، أي السيولة بالليرة اللبنانية من 83 تريليون ليرة الى 68 تريليون ليرة، لتمثّل فقط ثلث حاجة السوق من متوسط السيولة. في المقابل وبدلاً من ان يتراجع الدولار، فإنه ما زال يحقق مستويات قياسية. فما الاسباب؟ وما كانت تداعيات قرار المركزي الاخير بشراء الليرة من السوق؟

تعكس ميزانية مصرف لبنان نصف الشهرية للفترة الممتدة بين 28 شباط 2023 و15 آذار، والتي صدرت مؤخراً، نتائج تداعيات قرار المصرف المركزي الصادر في الاول من آذار بالتدخل في السوق بائعاً للدولار وشارياً لليرة وفق سعر منصة صيرفة 70 الفاً.

وفي السياق، يشرح الخبير الاقتصادي بيار الخوري انّ الميزانية نصف الشهرية للمصرف المركزي كشفت عن ارتفاع طفيف في الاصول من 442 مليار ليرة الى 443 مليار ليرة، عازياً ذلك الى تقليص المصرف المركزي خلال هذه الفترة النقد بالتداول من 83 تريليون ليرة اي ما يساوي تقريباً حوالى مليار دولار وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء الى 68 تريليون ليرة بما يوازي حوالى 680 مليون دولار وفقاً لسعر السوق السوداء، متراجعة بذلك حوالى 15 الف مليار ليرة اي نحو 200 مليون دولار وفقاً لسعر صيرفة التي اشترى الدولار على اساسه.

تابع: كان يتوقع ان يؤدي تقلّص السيولة بالعملة اللبنانية من السوق الى تراجع في سعر الدولار في السوق السوداء، لكن ما حصل هو العكس تماماً حتى تخطى الدولار الواحد المئة الف ليرة رغم ان المركزي ضخّ خلال الفترة الممتدة من الاول من آذار الى 15 منه نحو 200 مليون دولار في السوق. فلماذا لم يتراجع الدولار؟

ويشرح الخوري ان النقطة الابرز التي يجب التوقف عندها في ارقام ميزانية المركزي هي حركة «النقد بالتداول» لأنه في اقتصاد يعتمد على الكاش، ويغيب اي دور للمصارف فيه، تشكل كل السيولة الموجودة اليوم بالليرة في السوق حجم «النقد بالتداول»، وبدل ان ترتفع مع ارتفاع الدولار ومع الحاجة المتزايدة لليرة بنتيجة الارتفاع اليومي والمتواصل لاسعار السلع، وارتفاع الضرائب والرسوم والدولار الجمركي الى 45 الفاً مؤخّراً تقلّصت، عازياً ذلك الى تدخّل المركزي الاخير شارياً لليرة، بحيث ما عاد حجم الكتلة النقدية او السيولة المتوفرة في السوق يكفي لتلبية الاكلاف المرتفعة المطلوب تسديدها نقداً.

وتابع الخوري: انّ كل السيولة الموجودة اليوم في السوق لا تعادل قيمتها الحقيقية الـ 650 مليون دولار وفقاً لدولار السوق السوداء. في المقابل ومع بداية الأزمة في اواخر العام 2019 كان حجم الكتلة النقدية في السوق حوالى 9000 مليار اي 6 مليارات دولار، وبينما كان يتوقع ان يتقلص حجم السيولة كنتيجة طبيعية لتقلص حجم الاقتصاد الى حوالي الملياري دولار كي تكفي حاجة الناس نلاحظ انها تراجعت الى 650 مليون دولار، اي بما يوازي ثلث الكمية التي كان يجب ان تكون في السوق لتكفي حاجة اللبنانين وتحريك شريان الاقتصاد.

وعن الاسباب، يشرح الخوري ان المركزي ما عاد قادراً على ضخ دولارات لتكبير حجم النقد بالتداول تخوّفاً من انهيار أكبر واسرع بالليرة. والواضح ان المصرف المركزي في مأزق اليوم، اذ انه في السابق كان كلما زاد التضخم عمدَ الى ضخ ليرة لبنانية في السوق، وكانت ترتفع السيولة لتوازي نسبة التضخم، لكن ما حصل مؤخراً ان التضخم استمر بالارتفاع مسجّلاً زيادات شهرية مخيفة، ورغم ذلك عَمد المركزي في تدبيره الاخير الى امتصاص مزيد من السيولة بالليرة لأنه يعلم انّ ثمن ضَخ سيولة بالسوق هذه المرة سيكون باهظاً جداً. الا انّ هذا التدبير أدخلَ الاقتصاد بمأزق، فمن جهة ضَخ السيولة سيسرّع أكثر بانهيار الليرة أما سحبها من السوق فيكربج الاقتصاد. وبالتالي، نحن امام طريق مسدود، والمركزي مُجبر على ضخ مزيد من السيولة في السوق لأن مستوى الاسعار ما عاد يتوافق مع حجم النقد بالتداول الذي هو أصغر رقم اليوم من ضمن بقية البنود الكبرى الواردة في جدول ميزانية المركزي.

ورداً على سؤال، أوضح الخوري ان المواطن لم يشعر بضيقة السيولة لأنه بات يدفع اغلبية مصاريفه بالدولار مباشرة ما يرفع من حجم الدولرة بالاقتصاد، لافتاً الى انّ تدبير المركزي دفع باللبناني الى إخراج دولاراته للدفع، وهذا جزء من مسار الدولرة الشاملة.

وتابع: انّ استمرار قبول الدفع بالليرة اللبنانية في مرافق الدولة يؤكد انّ هذه العملة ورغم انهيارها لا تزال عملة اساسية بالتداول. وهذا الأمر يجعلنا ايضا امام خطرين: الاول: دولرة تسويات المدفوعات كنتيجة طبيعية لتقلص حجم الكتلة النقدية. والثاني: انّ اي تكبير للكتلة النقدية يجعلنا امام انهيار اكبر واسرع لليرة.

اما كيف يرتفع الدولار في السوق السوداء في مقابل تقلّص الكتلة النقدية في السوق؟ يؤكد الخوري انّ هذا اكبر دليل على ان سعر الدولار هو في جزء منه لعبة سياسية للمسيطرين على السوق الذين يستعملون السوق كورقة ضغط سياسية.