الخوري لنداء الوطن: لولا الاقتصاد الاسود لما كان الشعب غارقاً بالصمت المريب

في بلد منهار مالياً واقتصادياً واجتماعياً، وعاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة فعالة تتفق على خطة للنهوض وتطبيق الاصلاحات، تصبح النتيجة الفوضى على كافة الاصعدة: الامنية، القضائية، الادارية، المالية، والتجارية… وعندما تتمتع البلاد بحكومات ضعيفة وتنتشر فيها ظواهر الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتفاوت الكبير بين مداخيل المواطنين، تخلو الساحة تماماً امام الانشطة غير الشرعية وغير القانونية او غير المصرح عنها . كيف لا؟ والدولة منهكة في الجري وراء صعود الدولار وكيفية تعديل الرسوم والضرائب بالليرة لمواكبة ارتفاعه، بدلاً من وضع الخطط الجدية للجم انهيار عملتها واعادة هيكلة مؤسساتها!

إقتصاد لا يمكن إحصاؤه

عندما تجتمع تلك العوامل، وهي في ازدياد متواصل في لبنان منذ العام 2019، لا يمكن إلا ان ينمو الاقتصاد الاسود على حساب الاقتصاد الشرعي. هو اقتصاد الظلّ الذي تمارس فيه المؤسسات والافراد أنشطة اقتصادية لا يتم إحصاؤُها بشكل رسمي، ولا تُعرف مكوّناتها الفعلية ولا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي، ويترعرع في هذا الاقتصاد المشوه التهرب من دفع الضرائب والرسوم وجني أرباح كبيرة بعيداً عن رقابة الحكومة، ويضيف بالنتيجة، أرقاماً متفاوتة على الناتج الإجمالي المحلي للبلدان بنسبة وصلت وفقا لتقديرات المحللين الى اكثر من 50 الى 60%، علماً انه في بلدان مثل الولايات المتحدة يضيف ما بين 5 الى 10 % الى الناتج المحلي وفي روسيا حوالى 50% وفي ايطاليا ما يقارب 30%.

هناك نوعان

في الاقتصاد الاسود نوعان من الانشطة الرئيسية:

– أنشطة قانونية لكن بشكل غير شرعي مثل التجارة في السلع الغذائية والألبسة والمعدات وغيرها ولكن من خلال مخالفة القانون كالتهرب الضريبي، بحيث لا يتم تسجيل التعاملات فيها قانونياً لتجنُّب احتساب الأرباح الحقيقية للشركة، أو إدخالها للبلاد عبر التهريب من أجل تجنُّب دفع الرسوم الجمركية، أو حتى الغش والتلاعب بالمواصفات، مما يجعل الموادَّ والسلع ذات قيمة اعلى من قيمتها الحقيقية.

– أنشطة غير قانونية: مثل تجارة المخدرات أو الأسلحة أو الاتجار بالبشر أو القيام بعمليات تصنيع مخالفة للقانون كتصنيع التبغ أو الكحول أو الحبوب المخدرة… بالاضافة الى عمليات تبييض الاموال.

من 25% إلى 60%

ما يفسّر صمود جزء لا يستهان به من المجتمع اللبناني بوجه الانهيار المالي هو نمو الاقتصاد الاسود من نسبة 25% (تقديرات غير رسمية) من اجمالي حجم الاقتصاد اللبناني في 2019، الى حوالى 60 في المئة من حجم الاقتصاد اليوم، وهو الذي يدرّ الدولارات في السوق بطريقة غير شرعية وخارج القنوات الرسمية ولا يمكن تسجيله ضمن أرقام الناتج المحلي الاجمالي الرسمية.

وإذا كانت تقديرات الناتج المحلي الاجمالي تشير الى تراجعه من 53 مليار دولار في 2019 الى حوالى 14 مليار في 2023، فان التقديرات لحجم الناتج المحلي الاجمالي الفعلي في لبنان مع احتساب حجم الاقتصاد الاسود، تقدّر بما بين 24 و35 مليار دولار!

الإستيراد والمصارف والخزينة

كما يجمع خبراء اقتصاديون على ان حجم الناتج المحلي الاجمالي في لبنان المقدّر بحوالى 14 مليار دولار في 2023، غير واقعي نسبة الى حجم الاستيراد البالغ 19 مليار دولار، مما يؤكد اوّلاً ازدهار قنوات التهريب الى الخارج وثانياً نمو اقتصاد الظلّ.

ومع انهيار القطاع المصرفي وفقدان الثقة به، تراجعت المعاملات التجارية عبر البنوك وتراجعت التحويلات المالية عبر القنوات الرسمية واصبح احصاء حجم التدفقات المالية او المعاملات التجارية بشكل دقيق أمراً مستحيلاً نظراً الى تحوّل الاقتصاد الى اقتصاد نقدي.

وبالتالي، مهما سعت وعملت الحكومة لزيادة ايرادات الخزينة مواكبة لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، إن عبر رفع الدولار الجمركي وغيره من الاجراءات، فان فرض سلطتها وضرائبها على 40% فقط من الاقتصاد (حجم المؤسسات الشرعية) لن يؤمّن لها الايرادات الكافية لتمويل دولة مفلسة.

Share with your friends