لم يعد من المهم تحديد الرقم الذي وصل او سيصل اليه سعر صرف “الدولار” في السوق الموازية، ولم يعد مهما ان تراجع قليلاً الى الوراء او تقدم كثيراً الى الامام، اذ انه وبغض النظر عن حركة “الدولار” باتت حياة المواطن اللبناني رهينة للتضخم الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه ولارتفاع اسعار الخدمات والسلع على حدّ سواء.
“صيرفة” و دولار السوق الموازية
في هذا الاطار أكد الخبير الاقتصادي بيار خوري لـ” لبنان 24″ انه “من الواضح ان الانخفاضات المتتالية التي شهدتها اسواق صرف الدولار بفعل التدخلات التي قام بها مصرف لبنان عبر منصة “صيرفة” تحولت الى “مورفين” او نوع من انواع المهدئات للشعب اللبناني ولمجموعة من المصالح الاقتصادية والمالية الخاصة ببعض الصرافين وبعض المصارف، اذ انه بشكل او آخر يمكن اعتبارهم المستفيد الأول من الحركة التي تشهدها (صيرفة).
وبالتالي، الاستفادات المشار اليها لا يمكن مقارنتها بالمنافع الضئيلة التي تعود على المواطن والتي تأتي بنتيجة المحاولات المستمرة لخفض سعر الدولار، ومن الجدير ذكره ان محاولات تخفيض سعر الدولار ينتج عنها في كل مرة ارتفاع سريع في سعر صرفه ، فيصل سعره الى ما يفوق سعر “صيرفة” بمرتين.
لكن اليوم، وامام بعض المستجدات، بات الحديث عن ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية وثباته على رقم قريب من سعر (صيرفة) مضروب باثنين غير ممكن، وذلك لان (صيرفة) باتت تسير بشكل تلقائي واوتوماتيكي خلف سعر الدولار في السوق الموازية ما يجعل ارقامهما قريبة جدا وهذا ما شهدناه منذ بداية وصول الدولار الواحد الى ما يقارب الـ70 الف ليرة لبنانية.
ومنذ ذلك الحين أصبح المؤشر السعري الخاص بمنصة (صيرفة) مستتبعا للسوق الموازية، وهذا الاستتباع السعري انتقل من مرحلة استتباع الاتجاه الى الاستتباع المباشر، اي انه ومباشرة عند ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ترتفع ارقام (صيرفة) دون اي انذار مسبق”.
“صيرفة” و الدولار الجمركي
ويرى خوري ان “تأثير (صيرفة) على الحياة الاجتماعية في لبنان كبير وغير مضبوط، لان الخدمات العامة والرسوم في لبنان وُضعت على سلم متحرك غير ثابت، وهذا ما شهدنا تطبيقه في عالم فواتير الكهرباء والاتصالات الخلوية كما في تسعير (الدولار الجمركي) الذي بدوره اصبح لديه آلية ارتفاع سعري غير مرتبطة باي قرارات او اجراءات روتينية.
وفي هذا المجال، لا بد من الاشارة الى ان الدولار الجمركي قد يشهد مع الايام المقبلة المزيد من الارتفاع، اذ ان الاتجاه هو المواءمة ما بين سعره ونسب التضخم المرتفعة في البلاد.
وهذه الخطوات المشار اليها اكان عبر الرفع المتواصل لـ(صيرفة) او رفع (الدولار الجمركي) يمكن وضعها في خانة محاولة الدولة ترميم وارداتها بغض النظر عن الاثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن هذه الخطوات، فالمعادلة اصبحت وفقا للشكل التالي: كلما ارتفع دولار السوق الموازية ترتفع (صيرفة) والضرائب المتعلقة بها والدولار الجمركي وبالتالي ترتفع ايرادات الدولة، وهذا ما قد يشير الى غياب اي خطة فعلية وممكنة لمحاربة نسب التضخم الكبير التي يعاني منها المواطن”.
مشهد اجتماعي كارثيّ
ويشير الخبير خوري الى انه “أمام الواقع المشار اليه اعلاه، يمكن الجزم اننا امام مشهد كارثي مكتمل المواصفات على الصعيد الاجتماعي والمعيشي في لبنان، وذلك على الرغم من وجود فئة اجتماعية واسعة في لبنان تمكنت من تحقيق مداخلها وفقا لأرقام ثابتة بالعملة الصعبة.
وانطلاقا من هنا، لا يمكن غض النظر ابدا عن فئة اجتماعية وازنة وواسعة اخرى في لبنان ما زالت تستلم اجورها بالليرة اللبنانية، ما يدفعها لممارسة أكثر من مهنة في محاولة لخلق توازن اقتصادي لحياتها.
فعلى سبيل المثال، بات من غير الممكن لاي عائلة تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية ان تستمر في تأمين الحدّ الادنى ( غذاء، كهرباء، هاتف وتنقل) من متطلبات الحياة بحال لم يقدم مختلف أفرادها على العمل وتأدية اكثر من مهنة في الوقت نفسه.
وهذه الفئة الاجتماعية تُجبر بشكل او آخر للذهاب مرغمة الى الدخول في نفق من مظلم من انواع الجريمة المتعددة والمختلفة نظرا لان قانون الحياة والبقاء يبقى دائما اقوى من قانون الحق”.