الخوري لـ” الديار”: خطاب القسم رؤية اقتصادية وتنموية شاملة

هل سيتمكن الرئيس عون من تطبيق ما ورد في خطاب القسم في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه العهد وما هو المطلوب لذلك وهل سيتمكن لبنان من الخروج من النفق المظلم ليطوي صفحة سوداء وينطلق إلى صفحة جديدة بيضاء حافلة بالانفراجات والحلول للخروج من الأزمات؟

في هذا الإطار يقول الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث للديار :

برزت في خطاب فخامة الرئيس جوزاف عون رؤية اقتصادية وتنموية شاملة تهدف إلى إصلاح البنية الاقتصادية وتجاوز الأزمات الحالية، فقد دعا الرئيس إلى تغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة الفقر والبطالة، مع التركيز على إدارة فعّالة للدين العام وتحسين إعداد الموازنات المالية، مع ضمان منع الهدر وتعزيز الرقابة. كما أكد التزامه بإعادة هيكلة الإدارة العامة لجعلها حديثة ورشيقة وفعالة، داعمة للقطاع الخاص ومكافحة للاحتكار.

ولفت الخوري إلى أن الخطاب شدد على أهمية الشفافية في النظام المصرفي، وضمان حماية أموال المودعين، مع تبني حوكمة سليمة تعزز الثقة المحلية والدولية، “وأبرز الرئيس ضرورة تشجيع الاستثمارات من خلال إصلاح القضاء وتوفير بيئة اقتصادية تحفز المنافسة وتحمي حقوق المستهلكين، مع تطوير شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين الخدمات الصحية”.

ورأى الخوري أن الخطاب حمل توجهاً نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية والمجتمع الدولي، مع رؤية لاستقطاب الاستثمارات والسياحة والتعاون الإقليمي، بما ينسجم مع مبادئ الحياد الإيجابي والانفتاح. كما أعطى أولوية للاستثمار في التعليم والبنية المعرفية لدعم الاقتصاد الإنتاجي، مؤكداً التمسك بالاقتصاد الحر والملكية الفردية.

و اعتبر الخوري أن هذه الرؤية الطموحة تواجه تحديات كبرى، أهمها الأزمة المالية العميقة التي تشمل انهيار العملة الوطنية وشح السيولة وارتفاع التضخم، ما يحد من قدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات سيما  أن لبنان يعاني أيضاً من ترهل الإدارة العامة وضعف الكفاءة، ما يتطلب جهداً طويل الأمد واستثمارات كبيرة لإصلاح هذه المؤسسات واعتماد نظم إلكترونية حديثة.

ويتوقع الخوري ان أزمة الثقة بين المواطنين والدولة، وكذلك بين لبنان والمجتمع الدولي، تضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد، حيث يعتمد نجاح الإصلاحات بشكل كبير على استعادة هذه الثقة من خلال نتائج ملموسة وسريعة.

كما يرى الخوري أن التداخل بين السياسة والاقتصاد يشكل عقبة رئيسية، حيث يعاني النظام اللبناني من المحاصصة الطائفية التي قد تعيق تنفيذ قرارات جذرية. إضافة إلى ذلك، الفساد المؤسسي والمصالح الفئوية الراسخة قد تؤدي إلى مقاومة قوية للإصلاحات من قوى سياسية واقتصادية مستفيدة من الوضع الحالي، لافتاً أن لبنان يواجه أيضاً ضغوطاً إقليمية ودولية، حيث ان أي تعثر في العلاقات مع الدول المانحة أو المجتمع الدولي سيؤثر سلباً في تأمين التمويل اللازم للإصلاحات.

وتحدث الخوري عن التحديات الاجتماعية المتمثلة بارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تضيف عبئاً على كاهل الدولة، حيث يطالب المواطنون بحلول فورية وملموسة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع المصرفي من أزمة وجودية، وإصلاحه يتطلب وقتاً وجهوداً مكثفة قد تؤثر في المواطنين بشكل مباشر. إضافةً إلى ملف النازحين السوريين الذي يشكل ضغطاً هائلاً على البنية التحتية والخدمات، ويتطلب حلاً ديبلوماسياً وإقليمياً فعّالاً. علاوة على ذلك، الأزمات البيئية المتراكمة، مثل تلوث المياه وأزمة النفايات، تمثل تحدياً للتنمية المستدامة.

لكن يلفت الخوري أنه رغم هذه التحديات، يطرح الخطاب رؤية طموحة تستدعي إرادة سياسية صلبة، تعاوناً داخلياً ودولياً، وقدرة على اتخاذ قرارات جذرية وغير شعبية إذا لزم الأمر لتحقيق الأهداف المرجوة معتبراً أن نجاح هذه الرؤية مرهون بوجود توافق وطني وتضافر الجهود بين جميع الأطراف السياسية والاجتماعية لإعادة بناء الدولة وتعزيز الثقة في مؤسساتها.

لكن في الوقت نفسه يشير الخوري إلى أنه رغم الطموحات الكبيرة، يواجه هذا المشروع تحديات متعددة، أبرزها استمرار الانقسام السياسي، وتغلغل الفساد في مؤسسات الدولة، والتدهور الاقتصادي المتراكم، إضافة إلى التداعيات الإقليمية والدولية التي قد تعيق الجهود الإصلاحية. كما أن تطبيق الحوكمة الرشيدة وضمان استقلالية القضاء يشكلان امتحاناً حقيقياً لقدرة الدولة على استعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي، وهو ما يتطلب إرادة سياسية جماعية وتعاوناً فاعلاً بين مختلف الأطراف.

 

للانضمام إلى قناة واتساب: اضغط هنا 

الخوري لـ “هنا لبنان” : لبنان وقع في حفرة شبيهة بحفرة اليمن وسوريا

لفت الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري إلى أنّ الحرب على لبنان كانت لها آثار اقتصادية سلبية كبيرة، شملت تدميراً واسعاً في البنية التحتية حيث تسببت المعارك في تدمير الطرق والجسور والمباني والمرافق العامة، مما يتطلب تكاليف إعادة إعمار باهظة لا يمكن حصرها قبل نهاية الحرب، ما هو متوفر من تقديرات يشير إلى خسائر تجاوزت نصف مليار دولار في قطاع الكهرباء، كما تتراوح نسبة الخسائر في المباني والممتلكات الخاصة بين ٢٠ و٩٠ بالمئة ولا يتوفر إحصاء أو مسح للبنية التحتية والتي يمكن أن تكون بالمليارات.

 

ويضيف الخوري: “ساهمت الحرب أيضاً في انخفاض النمو الاقتصادي، إذ يقدر أن الناتج المحلي الاجمالي قد يخسر قيمة سنوية لا تقل عن الثلث إذا استمر الوضع على ما هو عليه. كما أدى تدمير الشركات والمؤسسات لفقدان العديد من الوظائف وارتفاع معدلات البطالة وتعطيل الطاقة الإنتاجية للقوى العاملة والرساميل على حد سواء، وهذا الوضع عرضة للتفاقم بما يهدد المؤسسات الاقتصادية في المناطق كافة وليس فقط تلك التي تضررت من جراء الحرب. كما يؤدي انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب على السلع الأساسية إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية للمواطنين.

 

ومن الآثار الاقتصادية للحرب يلفت الخوري إلى تدهور السياحة حيث أثر الصراع سلبًا على القطاع السياحي، مما أدى إلى انخفاض عدد السياح وتراجع الإيرادات السياحية خصوصاً وأن البلد كان يعيش أساساً على المواسم السياحية بين الصيف ورأس السنة.

 

ويشير الخوري إلى أنّ “وضع لبنان على اللائحة الرمادية في خضم الحرب فاقم إمكانية التواصل المالي الآمن مع المؤسسات المالية في العالم والبلد قد لا يكون جاهزا لإجراء الإصلاحات حتى لو توفرت النية في ظل تفاقم الفوضى”.

ويضيف: “كما أنّ المالية العامة كانت في وضع سيئ حتى قبل اندلاع الحرب وقد أدت الحرب إلى وقف التحصيل، وهناك خطر أن يعيد مصرف لبنان تمويل عمليات الحكومة بما يهدد الاستقرار النقدي الهش”.

وعن موقف مصرف الإسكان واستعداده للمساهمة في منح القروض وإعادة إعمار لبنان يقول الخوري، موقف مصرف الإسكان هو موقف عام لا يستند إلى حيثيات واقعية، الواقع أنّ مصرف الإسكان كما القطاع المصرفي والحكومة يواجهون وضعاً مختلفاً تماماً عن كافة الظروف التي واجهتنا طوال الأزمة المندلعة منذ العام ٢٠١٩”. ويتابع: “اليوم لبنان يحتاج لاستثمارات دولية ضخمة لاستعادة القدرة على تسيير الاقتصاد بالحد الادنى وليس لتلبية ورشة التنمية الشاملة. بالتأكيد سيكون هناك دور لمصرف الاسكان ولكن كجزء صغير وملحق بقرار إعادة إعمار أكبر بكثير وله طابع سياسي إقليمي ودولي يتجاوز فكرة الإسكان أو الاعمار بمعناه العقاري. لبنان وقع في حفرة شبيهة بحفرة اليمن وسوريا وهذا يعني أنّ إعادة إعماره قرار سياسي دولي وليس قراراً استثمارياً مهما كان”.

 

بهذا المعنى لا يمكن إعادة إعمار ما تهدم دون قرار سياسي دولي إقليمي يتفق مع تنازلات سياسية واسعة. فالظروف التي نعيشها مختلفة تماماً عن ظروف العام ٢٠٠٦، عندما كان البلد غنياً وكان الموقف العربي والدولي حول لبنان أقل حدة كما أنّ حجم الدمار اليوم أكبر بكثير.
قد نحتاج لتغيير البنية السياسية بالكامل من أجل الحصول على تمويل لإعادة الاعمار وهذا أصعب خيار يواجه لبنان بعد شروط وقف إطلاق النار، فقد دخل لبنان في نفق حربي سياسي اقتصادي لا نستطيع رؤية بصيص أمل في آخره.

 

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا