الخوري للبنان ٢٤: لبنان على سكة الدولرة بقوة الامر الواقع

شئنا أم أبينا، يدور لبنان ومعه القطاعات كافة والمواطنون في فلك العملة الخضراء التي تتأرجح أصلاُ على صفيح السوق الموازية الساخن. وعلى الرغم من عدم تسمية الأمور بأسمائها، إلا أن واقع “الدولرة” لا مفرّ منه، بعد بدء السوبرماركت تسعير سلعها بالدولار الأميركي بقرار رسمي، في حين سبقتها المؤسسات السياحية في الصيف المنصرم إلى هذه الخطوة. فأين المواطن من هذه القرارات؟

قب أسود كبير
وتعقيباً على القرار التي باشرت السوبرماركت بتطبيقه، أشار الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري إلى أن لا معيار محدداً سيلتزم به التجار لناحية تسعير السلع بالعملة الخضراء، لافتاً إلى أن الدولة لا تملك بدورها معايير للتسعير.
وفي هذا الإطار، أوضح الخوري في حديث لـ”لبنان 24″ أنه منذ سنوات كثيرة ماضية، تمّ اعتماد معيار عام قضى بأن هامش الربح التجاري لا يجب أن يتجاوز الـ20%، وبالرغم من عدم العمل به، عادت وزارة الإقتصاد والتجارة وذكّرت بمفاعيله منذ بضعة سنوات.
واعتبر أنه “في ظلّ تفلّت كل نظام الأسعار في البلد، لا معيار للتسعير سوى معيار العرض والطلب كما يقرّره أصحاب مراكز البيع”، متحدثاً عن “ثقب أسود كبير بالنسبة لوجود توازن معيّن لكلّ سوق محدد، ومن ضمن نوع البضائع هناك توازنات أخرى فضلاً عن نوعية المنتج وغيرها من التفاصيل”.
وتابع الخوري: “إذا كان لا بدّ من تحديد معايير، فيجب إنشاء هيئة تابعة لوزراة الإقتصاد والتجارة، مهمتها الأساسية تحديد معيار التسعير، وهو الأمر غير الموجود في لبنان“.
وقال: “عسى لو يتمّ التسعير من خلال تقسيم الأسعار على 1500 وضربها بسعر السوق السوداء. لأنه بسبب الأزمة الدولية، سلع كثيرة ازداد سعرها من المصدر، إلا أن بعض الأسعار التي لا تزال على السعر القديم وحتى أقلّ، هي تلك التي تحتوي على قيمة مضافة مرتفعة من العمالة الداخلية”.

وشدد على أن الفكرة الأساسية اليوم هي أنه” بات بمقدور أصحاب السوبرماركت أن يقرروا بأنفسهم كيفية التسعير بالتحالف مع لشركات المستوردة، بمعزل عن الدولة وعن جمعية المستهلكين، وبالتالي بات تحديد العلاقة بين الطلب والسعر يقع على عاتقهم فقط، الأمر المتعارف عليه أساساً لدى اقتصادات المنافسة الإحتكارية”.

فقر متعدد الأبعاد
واعتبر الخوري أن خطوة التسعير بالدولار الأميركي في السوبرماركت “لا تصبّ في مصلحة المواطن، مشدداً على أن السوق الشفاف القائم على معايير عامة وواضحة تنطبق على الأسواق كافة هو ما يفيده بشكل فعليّ”.

وقال: “لا يمكن تطبيق الدولرة على أسواق محددة وأخرى لا يطبّق عليها هذا الأمر”، مشيراً إلى أن الأجور والفوائد والرسوم والضرائب والإيجارات هي ألغاز حقيقية في السوق وإذا لم ينسحب هذا الأمر عليها، يمكن اعتبار أن كل دولرة لا تصب في مصلحة المواطن لا تصب في مصلحة واردات الدولة”.
وعن المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، لفت الخوري إلى أنهم مكشوفين على الأزمة منذ بدايتها ولا يزالون، بالرغم من الزيادات على الأجور بالليرة.
وكشف أن لبنان يعاني اليوم “من فقر متعدد الأبعاد، إلا أن الناس تستطيع نسبياً حلّ البعد المادي المباشر الذي يتعلّق بميزانية العائلات الشهرية، سواء من خلال مساعدات الأقارب في الخارج، والأعمال غير الشرعية وسواها من الطرق”، معتبراً أن مشكلة الأجور هي من أصعب المشاكل اليوم.

وعن التصريح الضريبي، أكّد الخوري أن التجار لن يصرّحوا بالدولار الأميركي ولن يدفعوا بهذه العملة أيضاً لأن قرار وزير الإقتصاد  قضى بأن يتقاضوا مستحقاتهم بالليرة اللبنانية على الرغم من أنهم سيسعّرون الرفوف بالدولار وبالليرة، إلا أنهم سيصّرحون بالعملة الوطنية كي تحسب الضريبة كما ولو بيعت البضائع على الـ15 ألفاً مهما كانت الكلفة الحقيقية”.

دولرة “بقوّة الأمر الواقع”
إلى ذلك، جزم الخوري أنه في حال نجحت خطوة تسعير البضائع في السوبرماركت بالدولار، فسينسحب هذا الأمر على سائر القطاعات باستثناء الأجور والأمور المتعلقة بالخدمات والرسوم الحكومية والفوائد المصرفية التي تقبض وتسجّل على الحسابات بالليرة.
من هنا، أشار إلى أن التسعير بالدولار قد لا يستدعي قرارات رسمية، بل قد تتمّ الأمور بقوّة الأمر الواقع تماماً كما حصل في بعض محطات المحروقات، كما لم يستبعد أن يصل الأمر إلى القطاع الدوائي.

وختم الخوري حديثه قائلاً إن لا إيجابيات لهكذا قرارات من دون تعويم النظام السعري في لبنان ليس من خلال الدولرة، بل عبر توحيد وتحرير سعر الصرف ما يؤدي إلى توازن الأسواق وعودة القيمة إلى الليرة اللبنانية.

وفي هذا الإطار، أكّد أنه “لا يتمّ العمل على تعويم النظام السعري بسبب قصّ الودائع والتهرب من تعديل الأجور في القطاع الخاص تحديداً، مشدداً على أن كل القرارت المتخذة في هذه الأحوال هي مجتزأة وبالتالي سلبياتها أكثر من إيجابياتها”.

إذاً، لبنان أمام مفترق طرق: التوجه نحو الدولرة الكاملة وإن “بشكل مستتر” مع الأخذ بعين الاعتبار أجور المواطنين، وإمّا العمل بشكل حتميّ على النهوض من التضّخم الذي تفجّر مع انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي والطباعة المستمرة للعملة الوطنية، فضلاً عن  إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي بات أصلاً في مرحلة الموت السريري!

Share with your friends