الخوري لـ”نداء الوطن” :الهجرة تشكل مصدراً غير مباشر لتنمية الاقتصاد الريفي

يرى البروفيسور بيار الخوري “أن في اقتصاد صغير مثل لبنان، حيث تعاني الدولة من ضعف البنى التحتية والتخطيط الاستراتيجي، أصبحت التحويلات المالية من المغتربين شرياناً حيوياً يغذّي القطاعات الأساسية. هذه التحويلات لم تقتصر على تأمين احتياجات الأسر في المدن والبلدات، بل امتدت إلى دعم المشاريع العقارية، مما حافظ على نشاط سوق البناء حتى في أحلك الفترات الاقتصادية. فقد أدّت أموال المغتربين إلى بناء منازل حديثة، وترميم البيوت القديمة، وإحياء قطاع المقاولات، ما وفر فرص عمل محلية، حتى لو كانت موسمية أو غير دائمة. كما ساهم المغتربون بشكل كبير في دعم التعليم، عبر تمويل تعليم أفراد عائلاتهم داخل لبنان أو إنشاء مدارس خاصة في بعض القرى، ما أبقى جزءاً من المجتمع المحلي مستقراً بدلاً من الهجرة الكاملة.

على مستوى البلدات والقرى، شكلت الهجرة مصدراً غير مباشر للتنمية الريفية، حيث تحولت أموال المغتربين والميسورين النازحين من المدن إلى قوة مالية محرّكة عززت الاستثمارات في المشاريع السكنية والزراعية والتجارية. ولكن مدى نجاح هذه الاستثمارات في إحداث تنمية مستدامة كان يعتمد بشكل أساسي على كفاءة البلديات وإدارتها للموارد المتاحة. في القرى التي تمتلك بلديات فعالة، انعكست هذه الأموال في زيادة الجباية المحلية عبر الضرائب ورسوم البناء، مما سمح بتمويل تحسينات في البنية التحتية، مثل تعبيد الطرق، تطوير شبكات المياه والكهرباء، وتحسين الخدمات العامة. هذا التحسن في الخدمات أدى إلى تنشيط السياحة الريفية، حيث باتت هذه البلدات وجهة جذابة للمغتربين خلال فصل الصيف، وشجعت الاستثمارات في قطاع الضيافة مثل المطاعم، النُزل البيئية، والمهرجانات الموسمية التي ساهمت في تنويع مصادر الدخل. أما في المناطق التي تعاني ضعفاً في إدارة البلديات، فإن الأموال التي ضخها المغتربون لم تُستثمر بالشكل الصحيح، فبقيت البنية التحتية مهملة، ولم تستطع هذه القرى الاستفادة من إمكانياتها السياحية أو الزراعية، مما أدى إلى ركود اقتصادي محلي رغم وجود رأس مال متدفق من الخارج”.

يضيف البروفيسور الخوري، “على الرغم من هذه الفوائد، فإن الاقتصاد الريفي اللبناني لا يزال يواجه تحديات كبرى بسبب استمرار الهجرة ونقص القوى العاملة المحلية، حيث يهاجر الشباب بحثاً عن فرص أفضل، ما يترك خلفه مجتمعاً يعتمد بشكل أساسي على التحويلات الخارجية من دون وجود إنتاج حقيقي. لذلك، ورغم أن أموال الاغتراب وفّرت استقراراً اقتصادياً نسبياً، إلا أنها لم تخلق دورة اقتصادية مستدامة، بل بقيت رهينة تقلبات الوضع الاقتصادي والسياسي في البلدان المضيفة للمغتربين. فبينما استفادت بعض القرى من مشاريع تنموية صغيرة، بقيت أخرى مهملة بسبب انقطاع الصلة بين أبنائها في الخارج وأهلها في الداخل، مما جعل بعض المناطق تعاني تراجعاً اقتصادياً واضحاً بمجرد تراجع التحويلات أو غياب استثمارات حقيقية”.

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا 

الخوري لـ”لبنان 24″ : التحوّل المحتمل في سوريا يهدد الدور التقليدي للبنان كمركز مالي وتجاري

في خضمّ التبدلات السياسية التي عصفت بالمنطقة، برزت تساؤلات بشأن قدرة لبنان على استقطاب الفرص والإستثمارات لتعزيز استقراره مع انتخاب رئيس جديد له وتشكيل حكومة جديدة. إلا أن هذه العملية الطويلة لتحقيق الهدف الحكومي أرهقت على ما يبدو المستثمرين، في ظل المستجدّ الأبرز، إعادة إعمار سوريا مع كل الفرص التي تستقطبها المرحلة اللاحقة.

فلبنان الذي يواجه حاليًا تحديات اقتصادية وسياسية معقدة تعكس أزمات هيكلية متراكمة، قد يستفيد من الأوضاع الجيوسياسية الراهنة إذا تمكن من إعادة تموضعه بذكاء واستغلال الفرص المتاحة.

منافسة مع سوريا
وفق الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري، فمع تحوّل المشهد الإقليمي وخاصة في ظل جهود إعادة إعمار سوريا، يجد لبنان نفسه في منافسة غير مباشرة معها، إذ سيسعى النظام الجديد هناك إلى استقطاب الاستثمارات الدولية وفرض نفسه كلاعب اقتصادي جديد.

وأشار الخوري في حديثه إلى “لبنان 24” إلى أن هذا التحول المحتمل يهدد الدور التقليدي للبنان كمركز مالي وتجاري، خاصة مع فقدان الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، الذي كان تاريخيًا، الوسيط الرئيسي لرؤوس الأموال في المنطقة.

وأضاف أن إعادة إعمار سوريا تشكل تحديًا وفرصة للبنان في آنٍ واحد. فمن جهة، قد تؤدي الاستثمارات المباشرة في سوريا إلى تحويل رؤوس الأموال بعيدًا عن لبنان، ما يقلل من دوره الاقتصادي ويؤثر على قطاعاته المالية والتجارية. كما أن العمالة اللبنانية الماهرة قد تجد في مشاريع الإعمار فرصًا أفضل، مما يفاقم نقص الكفاءات داخل لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، قد تأتي المساعدات الدولية الموجهة لسوريا على حساب الدعم المخصص للبنان، ما يزيد من أزمته المالية. لكن في المقابل، لا تزال للبنان ميزة جغرافية واقتصادية، حيث يمكن أن يكون ممرًا أساسيًا لإعادة الإعمار، مستفيدًا من مرافئه، وخبراته التجارية، والقدرات اللوجستية المتاحة لديه. فإذا تمكن من تحسين بيئة الأعمال، وتوفير الحوافز المناسبة، وتعزيز شراكاته الإقليمية، قد يتحول إلى منصة رئيسية لتوريد المواد والخدمات إلى سوريا.

إصلاحات مطلوبة
إلا أن تحقيق هذا السيناريو الإيجابي يتطلب إصلاحات جذرية وخاصة في القطاع المصرفي، الذي فقد ثقة المستثمرين بسبب القيود المفروضة على الودائع والانهيار المالي المستمر. ففي حين أن سوريا تعاني من عقوبات دولية تمنعها من الاستفادة الكاملة من نظامها المصرفي، قد يكون لبنان، إذا أعاد هيكلة قطاعه المالي واستعاد الثقة الدولية، نقطة عبور للمستثمرين الذين يرغبون في دخول السوق السورية من دون المخاطرة المباشرة. ومع ذلك، فإن استمرار الفساد والجمود السياسي قد يمنع لبنان من استغلال هذه الفرصة، ما يجعله عرضة لمزيد من العزلة الاقتصادية.

واعتبر الخوري أن الاستثمارات العربية خاصة من دول الخليج، لن تتجه إلى لبنان إلا إذا أثبت التزامه بإصلاحات حقيقية، مثل تحسين الحوكمة المالية، وتقديم حوافز اقتصادية، وإعادة هيكلة المؤسسات المتعثرة. فبدون هذه الإصلاحات، ستبقى رؤوس الأموال الخليجية بعيدة، وربما تتجه مباشرة إلى سوريا إذا أصبحت بيئة الأعمال فيها أكثر استقرارًا. لذا، إذا أراد لبنان اجتذاب الاستثمارات قبل سوريا، عليه أن يركز على استعادة ثقة الأسواق، تحسين بنيته التحتية، وإعادة تموضعه كمركز مالي ولوجستي إقليمي.

سيناريو قاتم
أما إذا لم ينفذ لبنان الإصلاحات المطلوبة، فإن السيناريو الاقتصادي سيكون أكثر قتامة. وسيؤدي المزيد من التدهور المالي إلى فقدان الثقة بالنظام المصرفي والعملة المحلية، مما سيدفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا. كما أن العزلة الاقتصادية ستزداد، خاصة إذا توقفت المساعدات الدولية بسبب عدم تحقيق تقدم في الإصلاحات.

إلى ذلك، سيؤدي ارتفاع معدلات البطالة وهجرة الكفاءات إلى إضعاف الاقتصاد أكثر، مما يسرّع انكماش القطاع الخاص وتراجع الاستثمارات الداخلية. وبينما تستفيد دول أخرى، مثل سوريا وتركيا، من التحولات الإقليمية، قد يجد لبنان نفسه متأخرًا، غارقًا في أزماته الداخلية، وعاجزًا عن استعادة دوره التقليدي في المنطقة.

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا