الخوري لـ”صوت بيروت انترناشونال” : التعديلات على قانون السرية المصرفية نقلة نوعية في كيفية تعامل الدولة مع النظام المالي

اعتبر الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث لصوت بيروت إنترناشونال أن التعديلات الأخيرة على قانون السرية المصرفية في لبنان شكّلت نقلة نوعية في كيفية تعامل الدولة مع النظام المالي خصوصاً في ظل أزمة الثقة الخانقة التي يمر بها البلد لافتاً إلى أن هذه الخطوة ما كانت لتحصل لولا الضغوط الدولية وبالأخص من صندوق النقد الدولي ومجموعة العمل المالي (FATF) التي طالما اعتبرت السرية المطلقة في المصارف اللبنانية إحدى أبرز العقبات أمام الشفافية ومكافحة الفساد وغسل الأموال.

ويشرح الخوري: “ما تغيّر فعلاً هو أن القانون الجديد بات يتيح لجهات رقابية وقضائية محددة مثل مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة أن تطّلع على الحسابات المصرفية من دون المرور بإجراءات قضائية طويلة أو تعقيدات بيروقراطية أيضاً صار بإمكان الجهات الضريبية وهيئات مكافحة الفساد أن تطلب رفع السرية عن أي حساب يثير الشبهات حتى بأثر رجعي لسنوات مضت وهو أمر لم يكن ممكناً في السابق”.

من الناحية القانونية يقول الخوري “هذه التعديلات تُقرب لبنان من المعايير العالمية وتحديداً تلك التي تفرضها FATF لمحاصرة الجرائم المالية مشيراً لبنان كان على “اللائحة الرمادية” وهو تصنيف غير مريح لأي دولة تحاول استعادة موقعها في النظام المالي الدولي”.

متوقعاً بأن هذه المستجدات قد تدفع بعض الأموال إلى تفضيل عدم التحويل الى لبنان مما قد ينعكس على استقطاب التدفقات في المدى القصير لكن على المدى الابعد سيصبح السوق اللبناني اكثر انسجاما مع حركة الاسواق العالمية واكثر صحة

أما على مستوى التصنيف الائتماني للبنان فيتوقع الخوري بأن تُسهم هذه التعديلات في تحسين صورته إذا ما تم تنفيذها فعلاً وليس فقط سنّها على الورق “المؤسسات الدولية لا تهتم بالنوايا بقدر ما تراقب النتائج على الأرض”معتبراً ان المشكلة أن التطبيق في لبنان غالباً ما يصطدم بتضارب المصالح السياسية ونقص الإمكانيات التقنية والبشرية في مؤسسات الدولة، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية الموحدة.

ووفقاً للخوري التحدي الأكبر اليوم هو قدرة الأجهزة الرقابية على تنفيذ هذه الصلاحيات بشكل جدي ومنهجي متسائلاً هل تمتلك الهيئة العليا للتقصي أو لجنة الرقابة على المصارف الوسائل التكنولوجية والخبرات اللازمة؟ وهل تستطيع العمل باستقلالية بعيداً عن الضغوط السياسية؟

وقال “حتى الآن لا جواب واضح وهناك خطر أن تبقى هذه التعديلات حبراً على ورق إذا لم تُرفق بإصلاح مؤسساتي حقيقي، و إذا أراد لبنان فعلاً الاستفادة من هذه التعديلات فعليه أن يتّخذ خطوات مكمّلة أولها تطوير الأنظمة المعلوماتية في مصرف لبنان والجهات الرقابية الأخرى وتدريب الكوادر القادرة على تحليل البيانات المصرفية بطريقة ذكية وسريعة ثانيها اعتماد الشفافية في طريقة تطبيق القانون من خلال إصدار تقارير دورية تُطلع الرأي العام المحلي والدولي على الإنجازات المحققة وثالثها اعتماد سياسة تواصل واضحة مع المؤسسات الدولية لتثبيت الجدية في الالتزام بالإصلاح خصوصاً مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر دلائل ملموسة قبل الإفراج عن أي دعم”.

في الخلاصة اعتبر الخوري أن المسألة ليست فقط تقنية أو قانونية بل سياسية بامتياز “فإما أن تُشكّل هذه التعديلات بداية استعادة للثقة المفقودة أو أن تبقى خطوة شكلية تُضاف إلى قائمة طويلة من القوانين غير المطبقة في بلدٍ أرهقته الأزمات”.

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا

الخوري لـ”لبنان 24″: العملات المشفرة أصبحت مأوى بديلاً للأشخاص الذين يحاولون الحفاظ على أموالهم

أشار الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري إلى أن العديد من اللبنانيين، المحليين والمغتربين على حد سواء، تحوّلوا إلى العملات المستقرة مثل USDT أو حتى Bitcoin واخواتها كوسيلة للحفاظ على القيمة أو التحويل وتلقي الأموال خارج النظام المصرفي. على الرغم من أنها تقلل من الاعتماد على المؤسسات المالية التقليدية وتوفر السرعة والمرونة، إلا أن استخدامها مقيد مع ذلك بسبب ضعف الثقافة الرقمية وانعدام الثقة والتقلب الشديد في الأسعار، لكن هذا التقبل للعملات المشفرة يحمل مخاطر معينة.

وبالنظر إلى ارتفاع الاحتيال والقرصنة، فإن المستخدمين ليسوا بمأمن عن الغش بسبب عدم وجود أي اطار تنظيمي يوفر لهم الحماية القانونية. كما أن عدم وجود قوانين واضحة يضع المستخدمين في منطقة قانونية رمادية، يمكن أن تكون مؤذية إذا نشأ صراع.
من وجهة نظر مالية، لفت الخوري إلى أن غياب التبني على نطاق واسع والنظم الراعية والتقلبات الكبيرة في الأسعار يعوق تعميم استخدام هذه العملات. وبدون الانفتاح والتنظيم، من المرجح أن يتم استغلال هذه العملات لأغراض مشكوك فيها بما في ذلك غسل الأموال.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، بدأت بعض المبادرات القائمة على تقنية بلوكتشين Blockchain في لبنان، لا سيما في مجالات الوثائق الرقمية والخدمات اللوجستية والعقارات. على الرغم من صغر حجمها وتأثيرها نسبيًا، إلا أن هذه المشاريع تظهر بدايات محتملة لاقتصاد رقمي بديل بدعم قانوني ومؤسسي.
وقد شهد لبنان نموًا غير عادي في عمليات تعدين العملات المشفرة في السنوات الأخيرة إلى جانب هذه المشاريع الناشئة، مدفوعًا بزيادة أسعار البيتكوين من جهة والطاقة المتوفرة من جهة أخرى.
ووفق الخوري، أصبح كل مستخدم لا يستخدم كل طاقة المولد الخاصة يمتلك فرصة اقتصادية غير مباشرة في مجتمع يعتمد في الغالب على المولدات الخاصة لأنه يمكنه تشغيل آلات تعدين البيتكوين باستخدام الطاقة الزائدة المدفوعة مسبقًا. وتراوحت هذه الأنشطة بين المبادرات الشخصية الصغيرة داخل المنازل أو أماكن العمل إلى مزارع التعدين متوسطة الحجم المزودة بأنظمة تبريد ومراقبة، وأضافت عنصرًا عمليًا إلى المشاركة اللبنانية في الاقتصاد الرقمي.
وسط الانخفاض المستمر في قيمة الليرة اللبنانية، فإن هذه المستجدات باتت ذات أهمية مضاعفة لأن العملات المشفرة أصبحت مأوى بديلاً للعديد من الأشخاص الذين يحاولون الحفاظ على أموالهم بعيداً عن التدهور المستمر للعملة الوطنية وللتضخم على الدولار الاميركي ذاته.
على الرغم من خطورتها، يبحث بعض المستثمرين عن مكافآت سريعة من خلال المضاربة بينما يستخدم آخرون عملات البيتكوين لحماية استثماراتهم. ومما يدل على القبول المتزايد للعملات المستقرة كأصول شبه رسمية، بدأ العديد من المتداولين أيضًا في استخدامها في معاملاتهم اليومية.
واعتبر الخوري أنه بالنظر إلى انعدام الثقة في النظام المصرفي اللبناني، بدأت العملات الرقمية في أن تكون منافسا محتملا، خاصة وأنها تسمح بنقل الأموال والاحتفاظ بها وحتى إقراضها من دون استخدام الوسطاء الماليين. ولكن حتى مع هذه الخيارات، فإن النظر إلى العملات المشفرة كبديل فعلي للنظام المصرفي يواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالبنية التحتية الرقمية، ودرجة المعرفة المالية، وغياب الدعم التشريعي. على الرغم من أنها أسرع وأكثر مرونة من الخدمات المصرفية التقليدية، إلا أنها لا تتمتع بأمان المستخدم القانوني والنموذجي، وبالتالي فهي خيار مكمل أكثر من كونها بديلاً حقيقيًا في الوقت الحالي.
من منظور ضريبي، لا تزال معاملة الدولة لمكاسب البيتكوين غير واضحة. على الرغم من أن السلطات الضريبية يمكن أن تنظر إليها كمصدر للدخل عند الموافقة عليها رسميًا، إلا أنه لا يوجد اطار قانوني واضح يفرض ضرائب على هذه المكاسب، وبالتالي يتعرض المستخدمون لتوقعات شخصية غير موحدة.
وأكد أن بعض الدلائل تشير إلى رغبة الحكومة اللبنانية المستقبلية في السيطرة على هذا القطاع بشكل أكثر وضوحًا إما من خلال اعتماد قوانين ضريبية معينة أو إنشاء أدوات تنظيمية لمراقبة المعاملات الرقمية.
وفي هذا السياق، أعرب مصرف لبنان منذ العام 2020 عن رغبته في العمل على إصدار الليرة الرقمية ، لكن الفكرة لم تتقدم في أي إجراء تنفيذي واضح حتى الآن. وتتمثل العقبات الرئيسية التي تحول دون هذا الطريق في ضعف البنية التحتية الرقمية والخضات التي تعرض لها البنك المركزي ولكن من الممكن استخدام عملة رقمية رسمية في المستقبل كآلية لتخصيص الإعانات أو تنظيم التدفق النقدي.، وفق الخوري.
وأكد أنه مع ذلك، فإن مثل هذه العملة، التي قد تنفذ بشكل تدريجي، يمكن ان توفر حدودا جديدة للشمول المالي وتساعد على مكافحة المال الأسود.
إذاً، العملات الرقمية هي حدث مالي واقتصادي صاعد في لبنان يرتبط ارتباطًا مباشرًا بانهيار النظام المصرفي التقليدي، كما بشعبية هذا النوع من الاصول عالمياً. وبينما تتأرجح هذه العملات بين الفرص والمخاطر، يجب على الحكومة والمشرعين التحرك بسرعة للسيطرة على هذا المجال لحماية المستخدمين وتعزيز الابتكار الرقمي المستدام.
للاطلاع على المقال كاملا:  اضغط هنا 

الخوري يتحدث لـ”شؤون اسيوية” عن العلاقات العربية الصينية

١- كيف ترى المستوى العلمي و الأكاديمي في الصين؟

بفضل التمويل الحكومي الضخم والنهج الاستراتيجي لريادة الابتكار العالمي، تتقدم القدرات العلمية والأكاديمية الصينية بوتيرة متسارعة. وبفضل إنفاقها الكبير على البحث والتطوير، أصبحت الصين منافسًا رائدًا في المجالات العلمية الناشئة من خلال استثماراتها الكبيرة في الذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، وتكنولوجيا الفضاء، وعلوم الكم. وتُصنّف جامعتا تسينغهوا وبكين من بين أفضل المؤسسات الأكاديمية عالميًا، لا سيما في مجالات الهندسة والتكنولوجيا. وتهدف الاستراتيجية الوطنية إلى تحسين جودة التعليم العالي وتحويل الجامعات إلى مراكز تميّز.

تحتل الصين المرتبة الأولى في إنتاج المنشورات البحثية سنويًا، وتُظهر تقدمًا ملحوظًا في التأثير العلمي. وتتفوق في مجالات رئيسية، بما في ذلك الاتصالات المتقدمة، مثل شبكات الجيل الخامس، واستكشاف الفضاء، بالإضافة إلى الصناعات الخضراء، من خلال ريادتها في إنتاج السيارات الكهربائية وتصنيع الألواح الشمسية. وحققت البلاد رقمًا قياسيًا في تسجيل براءات الاختراع، مما يُظهر بيئة ابتكارية نابضة بالحياة.

تُعزز الصين علاقاتها مع منظمات البحث العالمية، بينما يُخرّج إطارها التعليمي الصارم خريجين متميزين في العلوم الأساسية من خلال معايير أكاديمية تنافسية. وهناك عدة عوامل تُمكّن الصين من التطور بسرعة لتصبح قوة عظمى علمية وتكنولوجية، تُنبئ إنجازاتها بمكانتها المستقبلية كقائد عالمي.

٢- الصين رائدة في التنمية كيف ترون هذه التجربة.. وكيف يمكن أن تستفيد الدول العربية منها؟

من خلال التخطيط الاستراتيجي المصحوب باستثمارات ضخمة في البنية التحتية والبحث العلمي، طورت الصين نموذجًا اقتصاديًا يُلهم الدول العربية، إذ أصبحت قوة عظمى تكنولوجيًا واقتصاديًا. ويمكن للدول العربية تعزيز نموها الاقتصادي من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الذكية، مثل أنظمة النقل المتطورة والمدن الصناعية على غرار مشروع نيوم السعودي ومبادرة قناة السويس المصرية، لجذب الاستثمارات ودفع عجلة التنمية.

تُجسّد الصين التحول الاقتصادي من التصنيع التقليدي إلى الريادة التكنولوجية، من خلال تطور مدينة شنتشن من قرية صيد إلى وادي السيليكون الآسيوي. ويمكن للدول العربية إنشاء مجمعات تكنولوجية متخصصة تُركز على الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، والتي من شأنها ربط الجامعات بالقطاع الخاص لتطوير تطبيقات عملية، بما في ذلك أنظمة تحلية المياه بالطاقة الشمسية في دول الخليج.

ومن خلال الاستخدام الاستراتيجي لمكانتها الجيوسياسية، عززت الصين قوتها الاقتصادية من خلال تنفيذ مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق. ويمكن إنشاء مراكز لوجستية عالمية من خلال تحويل موانئ مثل جبل علي أو الدوحة إلى منصات تجارية رقمية. ويُظهر توجه الصين نحو اقتصاد مستدام، مدفوعًا بالاستثمارات في الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، للدول المنتجة للنفط كيفية استخدام عائداتها النفطية لدعم مشاريع مستدامة، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر وتطوير الطاقة المتجددة. إن الاستثمار في التعليم التقني والرقمي ضروري لتلبية احتياجات سوق العمل، وينبغي أن يستهدف مجالات نادرة مثل علوم البيانات والروبوتات، مع بناء شراكات دولية لتبادل المعرفة. وتتمتع الدول العربية بفرصة دمج الانفتاح الاقتصادي مع الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال السياحة الاستراتيجية القائمة على التراث والمبادرات الاقتصادية مثل مشروع العلا السعودي.

يُظهر النموذج الصيني أهمية وضع استراتيجيات طويلة المدى ذات أساليب تنفيذ مرنة، مع تحسين الشفافية وإدارة الموارد، كما هو موضح في رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ورغم أن الصين تفتقر إلى الكمال كدولة نموذجية، إلا أن مثالها يُظهر كيف يُمكن للعزيمة السياسية، إلى جانب الاستثمار في الموارد البشرية والتقدم التكنولوجي، أن تُحدث تحولاً جذرياً. ينبغي على الدول العربية اختيار العناصر المناسبة بعناية، وتطوير شراكات استراتيجية مع الصين لتحقيق التقدم التكنولوجي مع الحفاظ على سيادتها.

٣- الصين منخرطة بأنشطة اقتصادية في العديد من الدول.. كيف يُنظر لهذا التوسع الاستثماري الصيني؟

يتطلب فهم الصعوبات التي تواجه توسع الصين الاستثماري دراسة تعقيدات التعاون الدولي، حيث تتفاعل أولويات وقدرات مختلف الأطراف الفاعلة لخلق توترات وفرص في آن واحد، بناءً على ممارسات إدارة المشاريع والظروف المحلية. تُظهر الشراكة بين الصين والدول النامية كيف تحتاج هذه الدول إلى تمويل لتطوير البنية التحتية، بينما تسعى الصين إلى بناء تحالفات اقتصادية أقوى عالميًا. استفاد تطوير البنية التحتية من مشاريع مثل خط سكة حديد مومباسا-نيروبي في كينيا وسدود الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، إلا أنها كشفت عن مشاكل في إدارة التكاليف والشفافية، مما يُبرز أهمية إنشاء آليات تخطيط ورقابة قوية لدى كلا الجانبين.

تنجح المشاريع من خلال التعاون عندما تدعم أهداف التنمية المحلية وتعمل في إطار شراكات وثيقة تُركز على تبادل المعرفة وتنمية القدرات. تعمل الحكومة الإثيوبية على ضمان تماشي أنشطة الاستثمار الصينية مع الأهداف الوطنية، بينما تُعزز هذه الاستثمارات التنمية الصناعية والطاقة في البلاد. يعتمد تحسين نتائج التعاون على تحديد الحكومات المضيفة لأهدافها بوضوح، مع تعزيز مهاراتها التفاوضية، وتكوين شراكات دولية متنوعة لتحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية.

يبرز التمويل الصيني كخيار جذاب للدول التي تواجه تحديات في الحصول على التمويل التقليدي، بفضل شروطه المرنة وسرعة إنجاز المشاريع مقارنةً بالإجراءات البيروقراطية للبنك الدولي. وتعتمد استدامة هذه المشاريع على تطوير هياكل قانونية ومالية محلية متينة، يجب دمجها في التخطيط طويل الأجل لتجنب مخاطر مثل تراكم الديون أو التبعية.

تُظهر الصين التزامها بتطوير استراتيجيتها الاستثمارية من خلال إجراءات مثل دعم المشاريع المسؤولة بيئيًا واجتماعيًا، والإعلان عن جهود إعادة هيكلة الديون في دول مختارة لمواجهة بعض الانتقادات الخارجية. يُظهر هذا التطور أن التعاون الاقتصادي العالمي في تطور مستمر، ويتطلب من جميع الأطراف تطوير استراتيجياتها بناءً على رؤى تاريخية لتحقيق منافع مشتركة.

ينبثق توسع الصين من تفاعلات معقدة بين الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية ومتطلبات التنمية المحلية، وليس من منظور أحادي الجانب. وتعتمد فعالية هذه الشراكة على التعاون من خلال تحسين الحوار وجهود الشفافية، إلى جانب بناء الثقة المتبادلة، مما يُحوّل الصعوبات إلى فرص لترسيخ أطر التعاون الدولي التي تحمي مصالح جميع الشركاء المعنيين.

٤- كيف ترى مساعي الصين في تعزيز الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام مع الجهات الفاعلة الإقليمية؟

يجمع النهج الصيني للأمن الشامل بين مبادرات التنمية الاقتصادية وجهود الحفاظ على الاستقرار السياسي. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تشجع الاستثمار في البنية التحتية والتجارة لبناء روابط إقليمية، تسعى الصين إلى تخفيف التوترات الناجمة عن الفقر أو التخلف. وتعتمد استراتيجية الصين الأمنية على مبادئ “الأمن المشترك” التي تُقر بأن الاستقرار يتطلب التعاون مع الدول المجاورة. وتحظى منصات الحوار متعددة الأطراف بدعم صيني، كما يتضح من مشاركتها في منظمة شنغهاي للتعاون لمواجهة تحديات الإرهاب والأمن السيبراني.

تُقدم بكين نفسها كبديل للهياكل الأمنية التقليدية القائمة على التحالفات العسكرية، من خلال التركيز على التعاون غير السياسي في جهود الاستجابة للصحة العامة، مثل توزيع لقاح كوفيد-19، ومبادرات التحول الأخضر من خلال تمويل الطاقة النظيفة، وذلك لترسيخ مصالح مشتركة مع الدول ذات التوجهات السياسية المختلفة. وتعمل الصين جنبًا إلى جنب مع أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لحل نزاعات بحر الصين الجنوبي من خلال عمليات تفاوض مشتركة، في حين تستمر نزاعات الحكم الذاتي.

تسود شكوك إقليمية بشأن أفعال الصين التي تخدم مصالحها الذاتية مقابل المكاسب المتبادلة، بالنظر إلى قوتها العسكرية المتنامية وقدراتها التكنولوجية. تحاول الصين معالجة هذه المخاوف من خلال تعزيز التزامها بـ”عدم التدخل في الشؤون الداخلية” و”احترام الاستقلال الذاتي” من خلال نهجها تجاه الدول الأفريقية التي ترفض فرض شروط سياسية على الدعم الصيني.

تمثل أفعال الصين جزءًا من إطار الأمن الدولي المتطور، والذي يتطلب الآن نهجًا تعاونيًا لمواجهة تحديات معقدة مثل تغير المناخ وقضايا الأمن الغذائي. ستنجح هذه الرؤية عندما تتجاوز الصين خطاب “المصير المشترك” إلى وضع تدابير عملية لبناء الثقة ومنع التنافس الجيوسياسي من تقويض الاستدامة.

٥- لبنان إحدى دول مشروع الحزام والطريق وكانت جزءاً من طريق الحرير القديم.. كيف ترى مستقبل هذه المبادرة؟

يعتمد نجاح مبادرة الحزام والطريق في لبنان على قدرة لبنان على حل أزماته الداخلية ومواءمة أهداف التنمية الصينية مع أهداف لبنان. يجذب لبنان المشروع الصيني لموقعه الاستراتيجي كبوابة لشرق البحر الأبيض المتوسط، ودوره التاريخي كحلقة وصل بين الحضارات، لا سيما في مشاريع تطوير الموانئ مثل ميناء طرابلس وشبكات النقل الإقليمية. يجب التعامل مع أي تعاون مستقبلي بحذر شديد، لأن الأزمة الاقتصادية في لبنان، وانهيار العملة، وتراكم الديون، ستفرض أعباءً مالية إضافية على اقتصاده المتعثر أصلاً.

تمتلك الصين فرصة لتعزيز انخراطها المتوسطي من خلال استثمارات لبنانية استراتيجية، وإن كانت رمزية، في الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية، إذ يحتاج لبنان بشدة إلى حلول سريعة لمشاكل الطاقة والاتصالات. تُمثل شراكات القطاع الخاص الصيني خيارًا أسهل مقارنةً بالمشاريع الحكومية الكبيرة، نظرًا لعدم الاستقرار السياسي في لبنان، وما يشهده من انقسامات، واعتماد على تحالفات دولية متضاربة.

تكمن الصعوبة الرئيسية في كيفية تقاطع المبادرة الصينية مع الصراعات الجيوسياسية في لبنان، والتي تشمل التنافس الأمريكي الصيني، والتوترات الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الحرب السورية والعقوبات الدولية. تواجه المشاريع الصينية تأخيرات أو انقطاعات محتملة بسبب النزاعات الإقليمية والعقوبات التي أثرت سابقًا على مبادرات مماثلة.

عندما ينجح لبنان في تنفيذ إصلاحات حقيقية ويحقق مستوى معينًا من الاستقرار، فإنه يمتلك القدرة على أن يصبح حلقة وصل حيوية بين الصين وأسواق الشرق الأوسط وأوروبا، من خلال الاستفادة من قوته العاملة الماهرة وقطاعات الخدمات الراسخة. وللنجاح في هذا السياق، يجب على الصين أن تغير دورها من مجرد تقديم الدعم المالي إلى أن تصبح شريكًا في تبادل التكنولوجيا وتنمية القدرات، مع الحفاظ على شفافية العقود وحماية السيادة الوطنية.

وأخيرًا، فإن مصير المبادرة في لبنان ليس منفصلاً عن التحولات العالمية الأوسع: فبينما تسعى الصين إلى توسيع حضورها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فمن المرجح أن تسعى إلى مشاريع أكثر واقعية. وبدون التزام لبنان بتحويل الوعود السياسية إلى إنجازات تنموية، يجب على البلاد أن تتجاوز تاريخها الطويل من الفساد والصراعات الداخلية.

٦- ما تقييمك للعلاقات اللبنانية الصينية والعربية الصينية وما هي سبل تطويرها ؟

سأجيب فقط على الجزء العربي طالما تعرضنا للجزء اللبناني في السؤال السابق:

يُظهر توسّع العلاقات العربية الصينية شراكةً ناضجةً مدفوعةً بأهدافٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ مشتركة، حيث تجاوز حجمُ علاقاتهما التجارية 330 مليار دولارٍ أمريكيٍّ في عام 2023. تستورد جمهورية الصين الشعبية النفط والغاز من الخليج، بالإضافة إلى الدول العربية، بما في ذلك مصر والمغرب، مع التركيز على تطوير البنية التحتية والطاقة المتجددة. تتجلى الشراكة بين الصين والدول العربية من خلال تطوير المدن الذكية، مثل مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية، ومبادرات الطاقة الشمسية، مثل مشروع نور في المغرب، مع امتدادها إلى شراكاتٍ تكنولوجيةٍ مع شركاتٍ صينيةٍ مثل هواوي لإنشاء شبكات اتصالاتٍ متقدمة. تعمل الصين على ترسيخ مكانتها كشريكٍ إقليميٍّ عادلٍ من خلال مناصرة القضية الفلسطينية دوليًا دون الانحياز إلى أيٍّ من الأطراف في النزاعات الإقليمية.

تتطلب العلاقات تحولًا نوعيًا، يمكن تحقيقه بالابتعاد عن نموذج التمويل التقليدي، إلى شراكةٍ استراتيجيةٍ تُركّز على التكامل التكنولوجي والصناعي. يمكن للشبكات العربية الصينية إنتاج الهيدروجين الأخضر في الدول الغنية بالطاقة الشمسية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بينما يمكن لجهود التصنيع المشتركة في البطاريات الكهربائية أو الألواح الشمسية أن تُعزز خلق القيمة المحلية. يُمثل دعم المبادرات الفضائية العربية، مثل مسبار الأمل الإماراتي، نقطة انطلاق لتطوير القدرات التكنولوجية المتقدمة في الدول العربية.

ينبغي على الدول العربية وضع استراتيجيات تفاوضية متطورة لإدارة مخاطر ديون مشاريع مبادرة الحزام والطريق، إلى جانب المنافسة من شركائها التقليديين مثل أوروبا والولايات المتحدة. يُعدّ تطبيق إجراءات رقابة محلية صارمة أمرًا أساسيًا لضمان عقود شفافة وربط الاستثمارات الصينية بأهداف تنموية محددة، مثل توطين التكنولوجيا وخلق فرص العمل، بدلاً من حصرها في مشاريع البنية التحتية التي تفتقر إلى فوائد اقتصادية طويلة الأجل.

يمكن للصين تعزيز تحالفاتها العربية من خلال دعم المشاريع التي تلبي احتياجاتها الملحة، بما في ذلك الأمن الغذائي من خلال مشاريع الزراعة الذكية في السودان والعراق، أو مكافحة التصحر من خلال مبادرتها لغرس الأشجار في المملكة العربية السعودية. كما أن إنشاء منصات حوار سياسي تعاوني، مثل مجموعة العمل العربية الصينية المعنية بتغير المناخ، من شأنه أن يُحسّن الجهود المشتركة لحل القضايا العالمية.

٧- كيف ترى اراء الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن التقدم والتنمية ومبادراته بشأن الحضارة العالمية والتنمية العالمية وحوار الحضارات؟

من خلال كتابه “حول الحكم والادارة”، يُعبّر الرئيس شي جين بينغ عن رؤيته للتقدم والتنمية، مُركّزًا على التجديد الوطني إلى جانب النمو المستدام ونظام عالمي مُتحوّل. يُحدّد إطار “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد” منهجيته التي تُوازن بين الإصلاحات المحلية والشراكات الدولية. يُمثّل “الحلم الصيني” سرديةً أساسيةً تسعى إلى إعادة الصين إلى مكانتها التاريخية من خلال التقدم في التنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي والقضاء على الفقر. وقد عززت قيادة شي جين بينغ التنمية عالية الجودة التي تتجاوز مجرد نمو الناتج المحلي الإجمالي لتشمل ممارسات بيئية مُركّزة على الابتكار ومستدامة، كما هو مُتمثّل في سياسات مثل “صُنع في الصين 2025” والتزاماتها بالحياد الكربوني. ويتجلى نهج شي جين بينغ في الحوكمة، الذي يهدف إلى تلبية الاحتياجات المجتمعية بشكل مباشر، في تحقيق هدف القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2020 من خلال سياسات مُحدّدة وجهود تعبئة يقودها الحزب.

يُؤيّد شي جين بينغ بناء “مجتمع مصير مشترك للبشرية” عالمي، حيث تُعطى الأولوية للتعددية والمنفعة المتبادلة على المنافسة الصفرية. منذ انطلاقها عام ٢٠١٣، تُنشئ مبادرة الحزام والطريق (BRI) روابط اقتصادية من خلال تطوير البنية التحتية، في حين تُمثل تحديًا للعولمة التي يقودها الغرب. لا تتوافق نظرية “صراع الحضارات” مع آرائه، إذ يدعم الحوار والتبادل الثقافي عبر منصات مثل مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية. ويدعو إلى تغييرات في المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة٧ ومنظمة التجارة العالمية، لمنح الدول النامية تمثيلًا أكثر عدلًا، سعيًا من خلالها إلى إرساء نظام عالمي أكثر توازنًا.

يؤكد شي على ضرورة توجيه الحزب الشيوعي جهود التنمية مع تطبيق إصلاحات قانونية لضمان المساءلة. ويركز نهج “الديمقراطية الشعبية الشاملة” على إشراك المواطنين المحليين في إجراءات صنع القرار، ويعزز السياسات التي تخدم الصالح العام من خلال المشاركة المجتمعية. وتهدف استراتيجية “التداول المزدوج” إلى تعزيز الطلب المحلي إلى جانب المشاركة الاقتصادية العالمية، كنهج عملي لإدارة عدم الاستقرار الجيوسياسي.

للاطلاع على المقال كاملا:  اضغط هنا