الخوري لمجلة الافكار: لقد جربت الدولة كل انواع الحلول الفاشلة

الازمة في لبنان تتفاقم يوما بعد يوم، والمواطن ينتقل من وضع اشبه بالسيئ الى الاسوء، فهل من حل قريب للازمة؟ وماذا عن قرار دولرة كافة الأسعار؟ هل هو وليد اللحظة أم انه نتيجة حتمية لمخطط مسبق؟وهل اجراء كهذا يعتبر مدخل لحل الازمة؟

بداية اكد الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري انه لا يمكن للدولة ان تكون سيدة على اراضيها و مواردها وسياساتها من دون ان يكون لديها عملة وطنية سائدة على كل اراضيها ، علما ان الدول التي تنحى باتجاه الدولرة هي دول تخرج عن الوظائف الاساسية لممارسة السلطة بكل معنى الكلمة ، وقد شهدنا ظواهر دولرة واسعة باقتصادات اميركا اللاتينية والوسطى في مراحل معينة وهذا يدل على عدم قدرة السياسات على حماية العملة بصفتها احد اوجه السيادة الوطنية.

د- الخوري والدولرة!

*- وماذا عن لبنان والدولرة؟

اما بالنسبة للبنان، إن النزوع الى الدولرة هو ناتج عن مسار طويل انفجر بشكل اعنف عام ٢٠١٩ بمنحى تضخمي تحرك من خلال سعر صرف الدولار وخسارة الموارد المصرفية و اضطرار الدولة بعد انهيار وارداتها للذهاب لطباعة العملة من خلال مصرف لبنان ان لتغطية العجز في موازنتها و ان لاستكمال سياسة تذويب الودائع من خلال دفعها بالليرة اللبنانية اضافةً الى ارتفاع الاجور في القطاع العام و زيادة التضخم بنسبة ١٧٠٠٪، خلال ثلاث سنوات و هو ما يعني الحاجة الى طباعة مكثفة لليرة اللبنانية في ظل غياب النمو الاقتصادي حيث انخفض حجم الاقتصاد اللبناني بحدود الثلثين فضلاً عن غياب الواردات الحكومية.

*-وكأنك تشير الى ان اجراء الدولرة ليس وليد اللحظة؟

إن مسار تعميم الدولرة بدأ تدريجياً منذ ثلاث سنوات لأنه لم يبن على سياسات دولة رشيدة. تستطيع الدولة ان تذهب الى نوع التسعير الذي تريده لكن يجب ان يكون ذلك جزءً من خطة عامة، والتي بسبب غيابها ذهبنا الى دولرة الامر الواقع في السنوات الثلاث الماضية وحالياً دخلنا في تشريع الدولرة الذي بدأ مع منصة صيرفة حيث بدأ التسعير عبرها للخدمات العامة كالاتصالات والكهرباء وتحصيل الضرائب بنفس العملة ، كماً انه كان هناك اتجاه عام من قبل الدولة لشرعنة الدولرة من قبل القطاع الخاص والان استكملت بدولرة اوسع قطاع استهلاكي في البلد وهو السوبرماركت.

*- وما اثر هكذا إجراء؟
إن دولرة الاسعار تؤدي الى تثبيت المزيد من اللاتوازن بين العرض والطلب لان معظم اصحاب الاجور في لبنان ما زالوا يحققون مداخيلهم كليا او جزئيا بالليرة اللبنانية سيما القطاع العام الذي هو قطاع ضخم اضافةً الى ان القطاع الخاص اما يدفع جزئياً بالدولار واما يدفع بالليرة اللبنانية . ان هذا الامر يدفع الى زيادة الصدمات النفسية الاجتماعية، التي تؤدي الى ان يبحث الموظف عن مداخيل من خلال السمسرة والرشوة والمزيد من الفساد من اجل تعويم راتبه كي تلحق مستوى الاسعار في البلد التي تفاقمت مع التسعير بالدولار.

وتابع د. الخوري قائلا:
في اي حال لا يمكن النظر الى اتجاه الدولرة سوى عبر بالاعتراف بان الليرة لم تعد قادرة، في ظل تعدد اسعار الصرف مهما بلغت، على لعب دور العملة بصفتها الوظيفية المثلثة: حافظ القيمة، وحدة احتساب ووسيط تبادل. واذا كان يمكن النقاش في كون الليرة لا زالت تحتفظ بدور وسيط التبادل في بعض الاسواق خاصة في سوق العمل والضرائب والرسوم، فالليرة قد غادرت منذ العام 1984 دورها كوحدة حساب، حيث ان الدولرة الضمنية كانت طاغية في حساب التكاليف والاسعار منذ ذلك التاريخ مرورًا بسنوات استقرار الليرة بعد الحرب حتى يومنا هذا. اضيف للاعتبار الاخير الانهيار العملة الوطنية منذ صيف العام 2019 لتفقد بالتدريج دورها كحافظ للقيمة.

الليرة ووضعها!

*- الليرة يبدو وكأنها فقدت قدرتها كوحدة حساب فما النتائج المترتبة على ذلك؟

ان خروج الليرة المتدرج من وظائفها هو ايضًا نتيجة للعجز عن تحرير سعر صرفها وتكبيلها بتعدد جبري لاسعار السوق لا يتوافق مع المنطق الاقتصادي ومصلحة اللاعبين الاقتصاديين. بهذا المعنى لا يمكن النظر بغرابة الى موضوع السماح لمراكز البيع الكبرى بالتسعير بعملة ثابتة.
وتابع د. الخوري قائلا:
يسمح ذلك اولًا بتقليص مخاطر التسعير على كلفة الانتاج في ظل تقلبات سعر الصرف اليومية، كما يسمح يحافظ على استقرار حجم الاستثمار في الراسمال العامل من نقدية ومخزون وتامين التوازن القيمي بين الاصول الجارية والخصوم الجارية في ميزانيات مراكز البيع.

المشكلة في هذا النوع من التسعير انه لا يراعي عناصر الكلفة من غير كلفة البضاعة المباعة التي تدخل في احتساب اسعار الرفوف. النهائية.

*- اذا كانت المؤسسة ستقوم بتسعير بضائعها بناء لمبدأ الكلفة زائد الهامش الربحي، علما ان كل ما تدفعه بالليرة اللبنانية ، او بسعر اقل من سعر السوق الحر(السوق السوداء) واحتسبت هامش الارباح وقامت بالتسعير، فما الذي سيحصل عند اي ارتفاع اضافي لسعر صرف الدولار الحر؟

في الواقع سوف يشكل ذلك فرصة لمراكز البيع للابقاء على اسعارها المدولرة والمزيد من تعظيم ارباحها على حساب الكلفة الحقيقة للخدمات المؤداة بالليرة اللبنانية. هذه الخدمات تتصل اساسًا بالاجور ولواحقها المؤداة بالليرة ، ولكن ايضًا بفواتير الكهرباء من مصدر كهرباء لبنان والهاتف والماء والرسوم البلدية والكثير من انواع النفقات التي لا زالت تؤدى بالليرة اللبنانية، يشمل ذلك فواتير الهواتف الخليوية والداتا التي تسدد على سعر صيرفة البعيد نسبيًا عن عملة تسعير الرفوف.

*- وماذا عن المنافسة واهميتها في التسعير؟

هناك من يقول انه بسبب قانون المنافسة وتقلص حجم السوق سوف تعمد مراكز البيع لتخفيض اسعارها بالدولار مع كل تخفيض بالكلفة للحفاظ على زبائنها وتوسيع قاعدتهم على حساب صغار التجار وباقي الاقران المنافسين. يحتاج هذا الكلام الى الكثير من طيبة القلب لتصديقه، والى قلة ادراك بقوانين المنافسة الاحتكارية التي يميز عمل هذا القطاع. هذا قطاع لديه شبه نقابة وهو يعمل بناء للمصالح المشتركة لعدد قليل من العارضين رغم هواش المنافسة التي تسمح بها طبيعة السوق وضرورات تمييز المؤسسات عن بعضها.

وتابع د. الخوري قائلا:

لا يمكن الرهان على قوانين المنافسة لتبرير صحة التسعير بالدولار طالما لا توجد دولرة شاملة للاقتصاد او تحرير شامل للاسعار وبخاصة دولرة اسعار العمل او ايجاد سلم متحرك لتقويمها مربوط بمعدلات التضخم الشهرية.

ما هو برأيكم حجم الاكلاف غير المقدمة بالدولار في مراكز البيع؟
بحسب مقياس فوربس المرجعي، فان قطاع المفرق الكبير يتمتع بنسبة اجور الى مجموع المبيعات تبلغ (12.6%)، اي ان هذا القطاع ورغم ان النسبة في لبنان قد تكون ادنى بسبب انهيار الاجور، يمتلك حرية تحقيق ارباح اضافية مع كل انهيار اضافي في سعر الصرف تشمل مساحة مشكلة من نسبة وازنة من عناصر الكلفة.

د- الخوري والحل!
*-وما الحل للتسعير إذن؟

على وزارة الاقتصاد ان توجد معادلة اكثر حوكمة واكثر عدالة واكثر واقعية لتحديد سعر الرف العادل، ولماذا لا يكون هناك منصة خاصة لاسعار مواد الاستهلاك (على غرار منصة صيرفة او جزء من متحورات هذه المنصة) تقوم على معادلة تفرق بين طبيعة الاكلاف بما يحمي رساميل وارباح مراكز البيع دون تعريض المستهلك لاعباء اضافية.

*- وما حل الازمة في لبنان وهل بات ذلك وشيكا؟

الازمة في لبنان متراكمة ومعقدة وقد زاد من عناصر تعقيدها الانهيار السياسي بعد العجز عن تجديد الاستحقاقات الدستورية ووظائف الفئة الاولى.
لقد جربت السلطة وصانعي السياسات كل انواع المقاربات المتسرعة وقصيرة النظر للتعامل مع الازمة، ولم يمنع ذلك تسارع مؤشرات الانهيار. بافتراض حصول حل سياسي، فان ذلك لا يضمن حلاً اقتصادياً مستداماً.
المدخل للحل الاقتصادي يقوم على تعويم سعر الليرة ووقف التدخل الملتبس لمصرف المركزي في سوق القطع والذي ادى اضافة الى سياسات تمويل الدعم (التي كانت ملتبسة بدورها) الى استنزاف العملات الصعبة. ذلك هو المدخل، اما الخروج من الازمة فهو متعدد الابعاد ويحتاج سياسات ثورية للضرائب والاجور وإعادة هيكلة وحوكمة النظام المصرفي والقطاع العام.

الخوري يتحدث لصوت بيروت انترناشونال عن تحديات الدولرة الشاملة

مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار تغزو الدولرة مختلف القطاعات في لبنان ولعل اخرها وليس اخراً دولرة الاسعار في السوبرماركت مع مطالبة اصحاب محطات المحروقات بدولرة اسعار المحروقات.

فهل لبنان يتجه الى الدولرة الشاملة؟ وماذا يعني هذا وما هي تداعياته؟ وهل سيتحمله المواطنون سيما الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية؟

في هذا الاطار، اكد الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري في حديث لصوت بيروت انترناشونال انه لا يمكن للدولة ان تكون سيدة على اراضيها و مواردها وسياساتها من دون ان يكون لديها عملة وطنية سائدة على كل اراضيها موضحاً بان الدول التي تنحى باتجاه الدولرة هي دول تخرج عن الوظائف الاساسية لممارسة السلطة بكل معنى الكلمة مشيراً اننا شهدنا ظواهر دولرة واسعة باقتصادات اميركا اللاتينية والوسطى في مراحل معينة وهذا يدل على عدم قدرة السياسات على حماية العملة بصفتها احد اوجه السيادة الوطنية.

اما بالنسبة للبنان، رأى الخوري ان النزوع الى الدولرة هو ناتج عن مسار طويل انفجر بشكل اعنف عام ٢٠١٩ بمنحى تضخمي تحرك من خلال سعر صرف الدولار وخسارة الموارد المصرفية و اضطرار الدولة بعد انهيار وارداتها للذهاب لطباعة العملة من خلال مصرف لبنان ان لتغطية العجز في موازنتها و ان لاستكمال سياسة تذويب الودائع من خلال دفعها بالليرة اللبنانية اضافةً الى ارتفاع الاجور في القطاع العام و زيادة التضخم بنسبة ١٧٠٠٪؜ خلال ثلاث سنوات و هو ما يعني الحاجة الى طباعة مكثفة لليرة اللبنانية في ظل غياب النمو الاقتصادي حيث انخفض حجم الاقتصاد اللبناني بحدود الثلثين فضلاً عن غياب الواردات الحكومية.

واذ لفت الخوري الى ان مسار الدولرة بدأ تدريجياً منذ ثلاث سنوات لأنه لم يبن على سياسات دولة قوية قال فلتذهب الدولة الى نوع التسعير الذي تريده لكن يجب ان يكون ذلك جزءً من خطة عامة والتي بسبب غيابها ذهبنا الى دولرة الامر الواقع في السنوات الثلاث الماضية و حالياً دخلنا في تشريع الدولرة الذي بدأ مع منصة صيرفة حيث بدأ التسعير عبرها للخدمات العامة كالاتصالات والكهرباء وتحصيل الضرائب بنفس العملة معتبراً انه كان هناك اتجاه عام من قبل الدولة لشرعنة الدولرة قبل القطاع الخاص والان استكملت بدولرة اوسع قطاع استهلاكي في البلد وهو السوبرماركت.

واعتبر الخوري ان دولرة الاسعار تؤدي الى تثبيت المزيد من اللاتوازن بين العرض والطلب لان معظم الاجور في لبنان ما زالت بالليرة اللبنانية سيما القطاع العام الذي هو قطاع ضخم اضافةً الى ان القطاع الخاص اما يدفع جزئياً بالدولار واما يدفع بالليرة اللبنانية معتبراً ان هذا الامر يدفع الى حقد اجتماعي وهذا قد يؤدي الى ان يبحث الموظف عن مداخيل من خلال السمسرة والرشوة والمزيد من الفساد من اجل تعويم راتبه كي يعادل مستوى الاسعار في البلد التي تفاقمت مع التسعير بالدولار.

ورأى الخوري ان الحل بتعويم كل شيئ وعندها لن نكون بحاجة للدولرة ومع الوقت يتحسن سعر صرف الليرة ويصبح هناك قدرة لتعويم الاجور بما يتناسب مع مستوى الاسعار.

ووفق الخوري هناك خطورة كبرى في الاتجاه نحو الدولرة الشاملة حيث يفقد لبنان كل السيطرة.

على نظام النقد في البلد و مع الوقت ينتهي دور السلطة المركزية و تنتهي قدرة وزارة المال على الاقتراض و تنتهي قدرة مصرف لبنان بالسيطرة على السوق.

الخوري للديار: ماذا ينفع الغاز إذا خسرنا الدولة؟

Pierre Al Khoury on Addiyar

بعد أربع سنوات من الأزمة ربما لم يتغير المشهد الاقتصادي في لبنان إلا لناحية التأقلم أو التعايش مع الأزمة فللبناني قدرة كبيرة على التكيف مع الأوضاع، ولولا هذه الميزة لما استطاع الصمود بوجه الضربات التي تلقاها على مر السنين، حتى في أوقات الحرب استطاع هذا الشعب الجبار أن يجد نافذة يستنشق منها الحياة والأمل والمستقبل.

وأهم ما يسجل للعام ٢٠٢٣ أنه شهد بعض التحسن الاقتصادي لجهة استقرار سعر الصرف منذ آذار الماضي، وارتفاع الاستثمارات بين ١٥ و ٢٠% وهذه الاستثمارات توزعت على عدة قطاعات منها صناعية وسياحية وتجارية وزراعية، إضافةً إلى أن الموسم السياحي في فصل الصيف كان ناجحاً حيث دخل إلى البلد حوالى ٥ مليار دولار مما أدى إلى انتعاش اقتصادي ونقدي ومالي .

والامر اللافت والذي يجمع عليه الخبراء الاقتصاديون هو تأقلم القطاع الخاص مع الأزمة الذي قام معظمه بتحسين الرواتب، كما استطاع أن يحسن الوضع الاقتصادي الخاص به من خلال التنسيق بين التكاليف والمبيعات، كما نجح القطاع الخاص في تحقيق أرباح وهذا الأمر كان عاملاً مساعداً للاقتصاد الوطني وللاستثمارات في البلد.

بعد مرور أربع سنوات على الأزمة الاقتصادية والمالية، لا يزال إطار الاقتصاد الكلي في لبنان يعاني ضعفًا شديداً، وفقاً لأحدث تقرير للمرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن البنك الدولي ، الذي أشار إلى أن آثار وانعكاسات الصراع الدائر المتمركز في غزة تُمثّل صدمة إضافية كبيرة لنموذج النمو الاقتصادي اللبناني غير المستقر. وما لم يتم تنفيذ خطة شاملة لحل الأزمة، فلن تكون هناك استثمارات طويلة الأجل ومجدية، وسيعاني لبنان مزيدًا من التآكل في رأسماله المادي والبشري والاجتماعي والطبيعي.

يقدّم تقرير المرصد الاقتصادي للبنان الصادر تحت عنوان: “في قبضة أزمة جديدة” تحديثًا للتطورات الاقتصادية الرئيسية ويُقيّم انعكاساتها على الآفاق المستقبلية للبلاد. أما القسم الخاص من التقرير والذي جاء بعنوان “تأثير الصراع في الشرق الأوسط في الاقتصاد اللبناني” فيُقيّم تأثير الصراع الحالي وانعكاساته على الاقتصاد اللبناني وآفاق نموه وسط فراغ سياسي ومؤسسي طال أمده.

ووفق التقرير قبل نشوب الصراع الحالي، كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد – لأول مرة منذ عام 2018 – نمواً بنسبة 0.2% في عام 2023. وبدا أن الاقتصاد اللبناني قد بلغ قاعاً مؤقتاً بعد سنوات من الانكماش الحاد. وأتى هذا النمو الهامشي مدفوعًا في الغالب بعوامل شديدة التقلّب: نمو الاستهلاك الناجم عن موسم سياحي صيفي قوي، وتدفق كبير للتحويلات المالية، وزيادة دولرة الرواتب، بالإضافة إلى علاماتٍ على استقرار (مؤقت) في نشاط القطاع الخاص. وفي ظل الصراع الحالي وغياب الاستقرار الاقتصادي على النطاق الأوسع، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود في عام 2023. ووفقًا للتقرير، لا تزال اختلالات الاقتصاد الكلي قائمة، حيث لا يزال الحساب الجاري يعاني عجزًا كبيرًا يصل إلى 12.8% من إجمالي الناتج المحلي.

ومن المتوقع أن يتسارع معدل التضخم – الذي فاق الـ100% منذ عام 2021 – إلى 231.3% في عام 2023، مدفوعًا بانخفاض سعر الصرف (خلال النصف الأول من عام 2023) والدولرة السريعة للمعاملات الاقتصادية. علاوة على ذلك، تصدّر لبنان قائمة البلدان الأكثر تأثراً بالتضخم الاسمي لأسعار المواد الغذائية في الربع الأول من عام 2023 (بنسبة 350% على أساس سنوي في نيسان 2023)، مما أدى إلى تفاقم هشاشة الظروف المعيشية للفئات الأشد فقرًا والأكثر احتياجاً من السكان. ولا يزال الدين السيادي الذي بلغ 179.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 غير مستدام وسط انخفاضٍ حاد في قيمة العملة وانكماشٍ اقتصادي، وفي ظل غياب إعادة هيكلة شاملة للديون.

إذاً بالمختصر المفيد الذي أوصل لبنان إلى الحضيض هو عدم تطبيق الإصلاحات والذي سيخرجه من الأزمة هو تطبيق الإصلاحات.

في السياق رأى عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث للديار، أن عام ٢٠٢٣ في العموم كان عاماً سيئاً لبنانياً وإقليمياً  وعالمياً، وعلى الصعيد اللبناني هي سنة سيئة كونها لم تسجل أي خطوة إلى الأمام للخروج من المأزق الذي نعاني منه منذ خريف ٢٠١٩،” لا بل بالعكس ما زالت السياسات تتخبط في مسار لا يمكننا من الخروج من النفق المظلم”.

وشدد الخوري على أنه كان المطلوب على مدى الأربع السنوات من الأزمة مسؤولية جدية من قبل صانعي السياسات تجاه ثروات اللبنانيين المتمثلة بالودائع المحتجزة في المصارف، وتجاه الثروة الأكبر وهي تنمية الناتج الوطني، لافتاً إلى أننا لم نلحظ أي تقدم في هاتين المسألتين .

ورأى الخوري أن حل هاتين المسألتين يتطلب مجموعة من السياسات والإصلاحات، التي يبدو أن مراكز القوى في السلطة ليس لها مصلحة باتخاذها وتنفيذها، مشيراً أنه منذ توقيع اتفاق الترسيم ازداد التشنج تجاه الإصلاحات، “لأن الطبقة السياسية تراهن على وجود الغاز لإنقاذهم من الأزمة دون الاضطرار الى تقديم تنازلات تؤدي إلى زعزعة أسس السيطرة السياسية “.

ووفق الخوري الإصلاح له عناوين وكي نصل للحفاظ على ثروة اللبنانيين وتنميتها المطلوب اليوم أن نصل إلى قطاع عام ناشط ومحوكم بشكل جيد وشفاف، معتبراً أن ما حصل خلال سنوات الأزمة هو المزيد من غموض آليات عمل القطاع العام والمزيد من الشلل في المؤسسة العامة، التي لها دور أساسي مهما كان حجمها في المستقبل، في أن تكون ناظماً للعمل الاقتصادي .

ورأى الخوري أننا أصبحنا أمام مؤسسة عامة فاشلة وقانون لا يعمل بأي شكل من الأشكال إذ ان المحاكم متوقفة والملاحقات مشلولة وكل ميزات القطاع العام فقدناها في لبنان، إضافةً إلى أننا عاجزون عن إعادة تشكيل السلطة السياسية التي هي المدخل إلى كل الحلول.

أما بالنسبة للايجابيات التي شهدها العام ٢٠٢٣ فاعتبر الخوري ان هناك إيجابيتين لا يمكن التغاضي عنهما الأولى هي مسألة تعويم التسعير بالدولار والتي بالرغم من كونها دليل أزمة كبيرة لجهة الثقة بالبلد وبعملته الوطنية، لكنها ساهمت في أن تعيد تعويم القيمة الحقيقية للأسعار وأزالت جزءًا كبيراً من التشوهات السعرية الموجودة في السوق اللبناني، كما دفعت الناس الى التداول والإحتفاظ أكثر بالقيم على قاعدة حقيقية، مذكّراً أن قبل التسعير بالدولار لم يكن هناك سعر للدين ولا سعر للتداول، و “حُلت مسألة التشوه السعري من خلال الدولرة مع أنها ليست الحل المثالي لكنها قامت بتنشيط الحركة الإقتصادية” .

أما المسألة الثانية الإيجابية في العام ٢٠٢٣ وفق الخوري فهي التحول الذي حصل في حاكمية مصرف لبنان الذي كان عاملاً إيجابياً ليس فقط لخروج حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي كان يمعن في تشويه نظام القيم ونظام الأسعار من خلال سياسات الضخ الواسع لليرة اللبنانية من دون مقابل اقتصادي، والذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى ١٤٢ ألف ليرة في أوائل العام ٢٠٢٣، لافتاً إلى أن الحاكمية الجديدة برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري عملت على خطين الأول هو وقف ضخ الليرة اللبنانية في السوق، والخط الثاني هو وقف تمويل الحكومة”، وهذان الخطان دليل على أن وقف ضخ قيم وهمية في السوق يجعل الإقتصاد متجاوباً بشكل سريع وفعال، “وهذا ما شهدناه في الربع الثاني من السنة حيث نشطت الحركة الاقتصادية في البلد  وتحسنت الأجور كما تحسنت القدرة على الاستهلاك بسبب إرتفاع الأجور”.

لكن لا يرى الخوري أن كل هذه الأمور والإيجابيات كافية للنهوض بالاقتصاد بل هي نوع من تأخير لعوامل المرض اللبناني، لكن لا يمكن أن تحل بأي شكل من الأشكال محل الضرورة للإصلاحات التي باتت ضرورة قصوى، لأن البلد لا يمكنه أن يقوم من دون دولة أو أن يقوم مع دولة مترهلة، مؤكداً أننا لو حصلنا على كل غاز العالم في ظل استمرار الدولة على طريقتها في الإدارة، فهذه الثروات ستكون مهدورة مشيراً أننا خلال ثلاثين سنة التي سبقت الأزمة أهدرنا من المال ما هو أضعاف القيمة المتوقعة من إكتشاف الغاز، مشدداً على ضرورة عدم المراهنة على الغاز من دون إصلاحات جدية وحوكمة القطاع العام وشفافيته وإنفاذ حكم القانون في البلد.

 

وحول نظرته وتوقعاته للعام ٢٠٢٤ قال الخوري أنا من المتفائلين بالعام ٢٠٢٤ ليس لأسباب لبنانية، بل لأن مشكلة المنطقة ستذهب إلى حل كبير، الذي سيؤدي إلى حل ما في لبنان يُعيد دمجه باستراتيجية المنطقة، مؤكداً أنه سيكون للبنان مكان في التركيبة الجديدة للمنطقة، متأملاً ان حرب غزة ستضع أوزارها بحيث استنفدت القيمة السياسية لها وأصبح لا بد من الذهاب إلى تسوية التي لن تكون في حدود غزة فقط بل تسوية شاملة في المنطقة التي هي بحر محتمل من الاستثمارات والتي من الممكن أن تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي من خلال منطقة الشرق الأوسط، ” وهذا رهان كبير للبنانيبن كي نجد مكاننا في اقتصاد المنطقة بعد كل الضياع الاقتصادي الذي نعيشه”.