أشار الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري إلى أن العديد من اللبنانيين، المحليين والمغتربين على حد سواء، تحوّلوا إلى العملات المستقرة مثل USDT أو حتى Bitcoin واخواتها كوسيلة للحفاظ على القيمة أو التحويل وتلقي الأموال خارج النظام المصرفي. على الرغم من أنها تقلل من الاعتماد على المؤسسات المالية التقليدية وتوفر السرعة والمرونة، إلا أن استخدامها مقيد مع ذلك بسبب ضعف الثقافة الرقمية وانعدام الثقة والتقلب الشديد في الأسعار، لكن هذا التقبل للعملات المشفرة يحمل مخاطر معينة.
بعدما واجه في السنوات الماضية الأخيرة موجة من واسعة من المعارضة، صدر مرسوم مشروع قانون تعديل قانون السرية المصرفية بشكل رسميّ. إنتقل هذا الملف من ملعب رئاسة الحكومة وأحيل إلى مجلس النواب بانتظار إقراره في الهيئة العامة بعدما اقرته اللجان النيابية المشتركة. وقد دعا دعا الرئيس بري هيئة مكتب المجلس النيابي الى جلسة تعقد الثلاثاء المقبل.
إلا أن القوى السياسية التي من المفترض أن تدرس مشروع هذا القانون، باتت اليوم أمام امتحان يترقب نتائجه ليس فقط اللبنانيون، إنما المجتمع الدولي أيضاً وعلى رأسه صندوق النقد الدولي لاختبار مدى جدّية مداولاتها. فهل نحن على موعد مع نهضة مصرفية ومالية؟
يُمثل رفع السرية المصرفية في لبنان نقطة تحول تاريخية تتجاوز بتأثيرها الشؤون المالية لتشمل إعادة تشكيل الديناميكيات السياسية والاجتماعية والدولية داخل المجتمع والدولة.
ويأتي هذا التحول الجذري في ظل اضطرابات اقتصادية متشابكة وضغوط دولية تدمج العوامل المحلية والعالمية في بيئة متعددة الأوجه تتعارض فيها تناقضات الإصلاح مع الحفاظ على النظام، وفق الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري.
وبالعودة إلى بداياته، نشأ قانون السرية المصرفية اللبنانية في خمسينيات القرن الماضي وتحديداً في العام ١٩٥٦، عندما وضعته الحكومة آنذاك كحافز لجذب الاستثمارات في حقبة ما بعد الاستقلال. وبعد أن سُنّت في البداية كأداة للتنمية، تحولت هذه الآلية المصرفية إلى آلية للفساد وغسل الأموال، على حدّ تعبير الخوري.
وأشار إلى أن الودائع المصرفية تضمّنت قبل الأزمة حوالي 40% من ودائع شخصيات سياسية واقتصادية نافذة، وفقًا لتقديرات غير رسمية، مشدداً على أن الضغط لرفع السرية يصبح مقياسًا حقيقيًا للرغبة في الإصلاح، لأن احتياجات الشفافية تواجه المصالح الجوهرية للنظام الطائفي.
واعتبر الخوري أنه على الصعيد العالمي، يتحول القرار برفع السرية من خيار إلى مطلب أساسي، خاصة أن لبنان يعاني من عزلة مالية متزايدة، إذ يحتل المرتبة 149 من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد.
وللتغلب على هذه العقبة المالية، يجب على لبنان استيفاء شروط صندوق النقد الدولي، التي تُحدد، إلى جانب متطلبات مجموعة إيغمونت لمكافحة غسل الأموال، حدًا أدنى للإصلاحات. وفي هذا الإطار، يُظهر وضع قبرص عام 2013 أن رفع السرية المصرفية يساعد على استعادة الثقة، إلا أنه يتطلب إصلاحات مؤسسية لتكون فعّالة بالكامل.
وأكد الخوري أن لهذه المشكلة بُعداً اجتماعياً عميقاً، إذ يُهدد الكشف عن الثروات المخفية بتعميق التوترات الطائفية والاجتماعية داخل دولة تشهد انخفاضًا غير مسبوق في مستويات المعيشة. ويُهدد السخط الشعبي الاستقرار الاجتماعي عندما يستمر مُدبرو الأزمات المالية في العمل من دون عواقب.
وقال: “تُفضّل غالبية اللبنانيين الشفافية، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي تُظهر أن 72% يُؤيدون هذه المبادرة، على الرغم من المخاوف من أنها قد تستهدف الخصوم السياسيين بشكل انتقائي”.
وأضاف الخوري أن العملية التقنية لرفع السرية تواجه عقباتٍ كبيرة حيث يعمل النظام المصرفي اللبناني ببنية تحتية تقنية قديمة تفتقر إلى أنظمة الرقابة الحديثة لتلبية احتياجات الشفافية. كما يفتقر النظام القضائي اللبناني، الذي يعاني من شلل وظيفي بسبب الانقسامات السياسية، إلى القدرة اللازمة لإدارة العدد الكبير من القضايا المتوقعة بعد الكشف عن الحسابات. إضافة إلى غياب تشريعات واضحة لحماية البيانات الشخصية وهو وضع صعب تتعارض فيه متطلبات الشفافية مع حماية الخصوصية.
واعتبر أن رفع السرية المصرفية يمكن ان يؤثر على هياكل السلطة التقليدية، بالإضافة إلى عواقبه المالية، فعلى مدى عقود، استخدم القادة السياسيون اللبنانيون النظام المصرفي لتمويل شبكاتهم الزبائنية.
ووفق الخوري، يهدد الانكشاف المحتمل لهذه الشبكات التوازنات الطائفية والسياسية القائمة، وهو ما يفسر المعارضة الخفية للقرار من بعض الأحزاب التي تدعم الإصلاح ظاهريًا، كون القرار يمثل جوهر الجهود المبذولة لتغيير النظام السياسي اللبناني ككل.
وأكد أنه من الممكن تنفيذ القرار عبر التعاون القضائي مع الدول الأوروبية، نظرًا لوجود مليارات الدولارات من الأموال اللبنانية غير المشروعة هناك. وتعتمد إمكانية التعاون القضائي الدولي على فعالية الإجراءات اللبنانية التي تواجه تحديات مستمرة من السيطرة السياسية على المؤسسات. وعادةً ما يُظهر التطبيق العملي لاتفاقيات مثل قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية (FATCA) فجوة كبيرة مقارنةً بوعود السلطة.
ورأى الخوري أن الشركات الاجنبية التي كانت تتجنب لبنان سابقًا بسبب غياب الشفافية، قد تُفكر في الاستثمار الآن في حال رفع السرية المصرفية. لكن ذلك يعتمد على استكمال حزمة إصلاحات تتضمن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتطبيق الحوكمة الرشيدة. ونتيجةً لذلك ايضاُ قد يتجه رأس المال الفاسد نحو بيئات أكثر “أمانًا” من خلال الأساليب المعمول بها أو باستخدام العملات المشفرة التي يصعب مراقبتها.
واعتبر أن العقبة الرئيسية ستبرز عندما يتحول رفع السرية من كونه وثيقة قانونية إلى واقع عملي حيث يشير سجل لبنان الحافل بالتردد في الإصلاحات إلى أن تحويل هذه الأفكار إلى تطبيق فعال ينطوي على مخاطر كبيرة.
ولفت إلى أن غياب الالتزام السياسي الحقيقي، إلى جانب استمرار نفوذ النخب التي استفادت من النظام السابق، يخلق مخاطر قوية للتنفيذ الانتقائي أو المشوّه.
إذاً، لن يكون رفع السرية المصرفية إلا مقياساً حاسماً لتحديد آفاق لبنان المستقبلية. يتجاوز هذا المقياس الجوانب الفنية، إذ يُعد مؤشرًا يُظهر ما إذا كان بإمكان لبنان الانتقال من اقتصاد قائم على الريع السياسي إلى اقتصاد إنتاجي شفاف، خاضع للمساءلة ومندمج بالاقتصادات العربية والدولية.
اعتبر عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الاميركية للتكنولوجيا د. بيار الخوري في حديث لموقعنا Leb Economy ان تصريحات الوزير البساط حول مخاطر النزاعات التجارية على تحويلات المغتربين لها وزنٌ كبير اذ ان تحويلات المغتربين المالية تُشكّل دعامة أساسية للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، إذ تُهدد الاضطرابات في الدول المضيفة التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون قدرتهم المالية على إعالة أسرهم ومجتمعاتهم.
ووفقاً للخوري “قد تُؤدي التوترات التجارية وانقطاعات سلاسل التوريد في الدول التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون إلى محدودية فرص العمل وتجميد الرواتب أو تسريح بعض الموظفين، لا سيما في قطاعات مثل التعليم والاستشارات والخدمات الطبية التي توظف العديد من اللبنانيين.
وشدد على ان ” ارتفاع التضخم العالمي، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، يُقلل من قدرة المغتربين على شراء السلع والخدمات، مع تقليص الدخل الإضافي الذي يُمكنهم تحويله إلى لبنان. كما يُمكن أن تُقلل القيود المفروضة على إرسال الأموال إلى الوطن، بالإضافة إلى الضرائب الجديدة المفروضة على العمال الأجانب، من رغبة المغتربين في تحويل الأموال إلى وطنهم”.
وقال: “كما سيؤدي انخفاض قيمة العملات في الدول التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون إلى ارتفاع تكاليف التحويلات، مما يدفع بعض المغتربين إلى الاحتفاظ بأرباحهم في وطنهم بدلاً من إرسالها”.
ووفقاً للخوري “قد تُؤدي التوترات التجارية وانقطاعات سلاسل التوريد في الدول التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون إلى محدودية فرص العمل وتجميد الرواتب أو تسريح بعض الموظفين، لا سيما في قطاعات مثل التعليم والاستشارات والخدمات الطبية التي توظف العديد من اللبنانيين.
وشدد على ان ” ارتفاع التضخم العالمي، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، يُقلل من قدرة المغتربين على شراء السلع والخدمات، مع تقليص الدخل الإضافي الذي يُمكنهم تحويله إلى لبنان. كما يُمكن أن تُقلل القيود المفروضة على إرسال الأموال إلى الوطن، بالإضافة إلى الضرائب الجديدة المفروضة على العمال الأجانب، من رغبة المغتربين في تحويل الأموال إلى وطنهم”.
وقال: “كما سيؤدي انخفاض قيمة العملات في الدول التي يعمل فيها المغتربون اللبنانيون إلى ارتفاع تكاليف التحويلات، مما يدفع بعض المغتربين إلى الاحتفاظ بأرباحهم في وطنهم بدلاً من إرسالها”.
واكد الخوري ان “دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، تُعدّ من أكثر الدول تأثرًا بهذه المخاطر، نظرًا لإستضافة جاليات لبنانية كبيرة في الخارج، واقتصاداتها مهددة بشكل مباشر بتقلبات أسعار النفط، مما يؤثر على الإنفاق العام ومستويات التوظيف”.
ورأى ان “وجود الجاليات اللبنانية في دول أفريقية مثل نيجيريا وكوت ديفوار والكونغو يعني أنها تواجه تزايدًا في عدم الاستقرار الاقتصادي ومخاطر الصراعات، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف وتحديات في التحويلات المالية. أما الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، فتتمتع بإستقرار اقتصادي أفضل من غيرها، لكنها لا تزال تواجه اضطرابات محتملة ناجمة عن النزاعات التجارية أو الركود الاقتصادي العالمي، مما قد يؤثر على قطاعات العمل اللبنانية. وتواجه الجاليات المقيمة في الولايات المتحدة وكندا ضغوطًا من ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، مما قد يؤدي إلى ركود في حجم التحويلات المالية دون نمو يُذكر”.
وقال الخوري: “كمحصلة يواجه لبنان مخاطر كبيرة بسبب الانخفاضات المحتملة في التحويلات المالية من الخليج وأفريقيا، نظرًا لإعتماده على هذه “السيولة النقدية الجديدة” لتغذية اقتصاده والحفاظ على الحدود المعقول من التوازن الاقتصادي والاجتماعي.”
للاطلاع على المقال كاملا : اضغط هنا