الخوري لـ”النشرة” : يتحسّن ميزان المدفوعات أو يتراجع بسبب التجارة الخارجية

يستهل عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري حديثه، بالتعريف التقني لميزان المدفوعات على اعتبار أنه سجلّ محاسبي مثل أي سجلّ محاسبي آخر لديه داخل وخارج (إلى/من)، لكن الفارق هو أنه يسجل معاملات البلد مع بقية دول العالم، وبالتالي هناك ثلاثة أنواع من السجلّات:

النوع الأوّل هو الحساب الجاري، وهو يتضمن الفوائد التي نحصل عليها أو ندفعها للخارج، وكذلك تحويلات العاملين بين الداخل والخارج، والأرباح المحققة تدخل أيضًا في هذا الحساب في حال حوّلت عبر البلدان،

النوع الثاني هو الحساب الرأسمالي ويتضمن كل التحويلات والهبات الكبيرة، فلا تدخل في المعاملات اليومية، بل تدخل في الحساب الرأسمالي بميزان المدفوعات،

النوع الثالث هو الحساب المالي ويتضمّن كل الأموال التي تأتي لغرض الاستثمار، وكل التحويلات الرأسمالية تمر من خلاله.

يتحسّن ميزان المدفوعات أو يتراجع بسبب التجارة الخارجية، فإذا كنا نصدّر أكثر ممّا نستورد فهذا يعني أنّ ميزان السلع والخدمات يتحسّن، وبالتالي نحصل على فائض يؤثر على ميزان المدفوعات والعكس بالعكس. في لبنان نحن لدينا مشكلة كبيرة في هذا الميزان، فنحن نصدر 2 إلى 3 مليارات دولار ونستورد ما بين 17 و19 مليار دولار. والسبب الأساسي لخروج العملات الأجنبية من لبنان هو هذا الميزان. السبب الثاني هو تحويلات المغتربين المالية فلبنان بلد معروف بأنه يستقطب ما بين 6 و8 مليارات دولار من الخارج وتسدّ جزءًا من العجز الحاصل في ميزان التجارة. العامل الثالث هو الاستثمارات المالية، إذ كلما زاد استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو الاستثمارات بالمحفظة لشراء سندات أو أسهم فهذا يعني دخول عملات أجنبية إلى البلد، ما يؤدي إلى تحسين الميزان، والعكس بالعكس. أما العامل الرابع والذي يعدّ موضوعًا حسّاسًا جدا للمخاطر السيادية للبلد، فهو الوضع الأمني والاقتصادي، فمع سوء هذا الوضع كل الاستثمارات أكان في المحفظة أم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أم التحويلات المالية مرشحة للتراجع. إذن فالظروف الأمنية والسياسية تؤثر مباشرة على حجم التحويلات الواردة وتشجّع التحويلات الخارجة من البلد.

ويربط الخوري سبب تحسّن ميزان المدفوعات مؤخّرًا مباشرة بالسياسة الجديدة التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، الذي أوقف طبع النقد، وبالتالي لم يعد يخلق قدرة شرائيّة إضافية مجّانية تؤدي إلى زيادة الطلب لأسباب وهمية، مع عدم خلق منافع تخلق بدورها طلبًا، وذلك من أموال أوجدت دون إنتاج، وبالتالي خفّت القدرة على زيادة الضغط على المستوردات رغم أنّ هذه الأخيرة هي بالأساس كبيرة الحجم. ويكمن الفرق في أنّ ميزان المدفوعات عندما يتحسّن هو يفعل هذا لأحد سببين: إمّا زيادة احتياط المصرف المركزي وإمّا زيادة موجودات المصارف في الخارج. نحن نعلم أنّ ما بين السنة الماضية والسنة الحالية هناك زيادة بحدود 1.3 مليار دولار في احتياطات المصرف المركزي. وعندما نحتسب مجموع ميزان المدفوعات يجب أن يعادل على الأقل، إن لم يكن هناك نقص ولا زيادة بحسابات البنوك مع المراسلين، وهذا كفيل بحد ذاته، بأن يشير إلى أنه يجب أن يكون هناك تحسّن بهذا الحجم.

بالنسبة لدور الحاكمية الجديدة والمصرف المركزي يقول الخوري لدينا مشكلة، وعلى الرغم من كون الحاكمية أكثر عقلانية من سابقتها أيام الحاكم رياض سلامة، فاليوم كل أدوات السياسة النقدية هي أدوات معطّلة، فليس هناك سياسة قطع، بعد خروج مصرف لبنان من سوق القطع بائعًا للدولار. وهناك الآن سياسة مقابلة وحيدة الجانب وتتمثل بشراء الفائض.

من ناحية أخرى نحن ليس لدينا سياسة تشجّع الاستثمار، فاليوم ليس هناك استثمارات إلا في قطاع المطاعم دون الفنادق، لأنه يعمل على مواسم باتت محصورة إلا أنها قويّة، ولأن هناك نماذج جديدة ريادية تجري تجربتها في لبنان وتنجح إلى حد بعيد خاصة وأن لدينا مناطق سياحية، ولكن هذا لا يختزل كل الاقتصاد. كل هذا لأننا نفتقر إلى السياسات التي تشجع على الاستثمار، إضافة إلى المشكلة الرئيسية في حاجتنا إلى إصلاحات ضرورية فهذا الاقتصاد اهترأ ووقع، ولا يستطيع النهوض إلا بإصلاحات هيكلية للقطاع الخاص وللقطاع العام وللبنية التي سيعمل بها القطاع الخاص.

بالنسبة للوضع في الجنوب، إذا تطوّر إلى حرب فكل شيء يذهب هباءً. ورهاننا أن يكون هناك مجموعة من المعادلات الإقليمية والدولية التي تمنع الحرب. أما إن ذهبنا إلى الحرب فهذا يعني الانقطاع عن الحضارة، وسنفقد الاقتصاد في تلك اللحظة. إذن فخطر الانزلاق إلى حرب واسعة يهدد الاقتصاد برمته ويهدد وجود البلد.

لا يمكننا القول إننا دخلنا في مرحلة التعافي، فمرحلة التعافي دون إصلاحات ودون استثمارات حقيقية هي غير موجودة. نحن فقط نلعب في الوقت الضائع ونحاول الاستفادة من بعض الفرص التي تتوفر للمصرف المركزي. إضافة إلى السؤال الكبير المطروح حول كيفية دخول كل هذه الأموال للاستيراد في بلد بلا إنتاج، حتى وإن كان ميزان المدفوعات يتحسن بسببها. وهل هذه الأموال تستطيع تأسيس اقتصاد ذي طبيعة مستدامة؟ بالتأكيد لا.

للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا

الخوري لـ”الجريدة” : الاستيراد وضعف الناتج يؤديان إلى ارتفاع كارثي في الأسعار

فيما تتوالى التقارير التي تتحدث عن تداعيات الازمة الاقتصادية على لبنان وانعكاسها على الأمن الاجتماعي والغذائي للمواطنين اللبنانيين الذين باتوا مهددين بالجوع التام، كنتيجة للارتفاع الضخم في الأسعار مقابل ثبات في مداخيل الأسر والأفراد، أي مستقبل اقتصادي ينتظر لبنان؟

الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يقول لموقع “الجريدة”: “ما حصل في لبنان من تثبيت سعر الصرف ودولرة الأسعار بالنسبة للأسعار بالتعبير أكثر عن واقع السوق، ففي الفترات السابقة تم تشويه الأسعار وانعدام العرض في المراكز الكبرى للبيع خوفاً من تقلبات سعر الصرف في الوقت الذي كانت فيه مجبرة على التسعير بالليرة اللبنانية. ولكن عند تحرير سعر صرف الشراء أصبح لدينا ظاهرة جديدة وهي تثبيت السعر على هامش 89500 ليرة بسبب وقف تدخل مصرف لبنان لضخ الليرات في السوق، في وقت بقي فيه مستوى الدخل في البلد على حاله، لا بل تراجع تدريجياً بعد التصحيح الذي حصل في القطاع نتيجة مجموعة الأزمات التي يغرق فيها لبنان”.

ويضيف الخوري: “بالتأكيد تحرير الأسعار ساهم بدفع السوق إلى الامام، ولكن إن وضعنا ميزاناً للأمر مع تحرير العناصر الأخرى (السياسية والأمنية والجيواستراتيجية) المتصلة بلبنان، وسنلاحظ أن هذا الشيء لم يساعد على الاطلاق بانفاق استثماري يسهم برفع التاتج الوطني، لافتاً إلى أن لبنان اليوم يعتمد أكثر الاستيراد حيث يستورد بين 17 و19 مليار دولار سنوياً ما يخلق زيادة في الطلب في ظل شبه انعدام للناتج المحلي، إذاً من الطبيعي أن تتجه الاسعار نحو الارتفاعاً بسبب زيادة الاستيراد”.

وعلى الرغم من أن 70% من الأجور تم تصحيحها خلال السنة الماضية، إلا أن التضخم المتواصل ساهم في تآكلها ما دفع المواطن إلى المطالبة بزيادات مستمرة تلبي قدرته الشرائية المتهالكة وتساعده على العيش بكرامة.

ويوضح الخوري أن “الأجور المصححة لم تواكب غلاء المعيشة ما أدى إلى توسع “الديون البينية”، أي الاستدانة من الأقارب من أجل تسيير أمورها في ظل غياب الدين الرسمي إلا أن لهذه العملية تداعيات اجتماعية كبرى أدت إلى خلق مشاكل بين العائلات”.

كما يشير إلى أن “لبنان منقسم إلى فئات دخل متعددة وهو ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار و عدد الفئات، فئة مرفهة تتراوح بين 10% و30% تقريباً، فئة تستطيع أن توازن ميزانيتها بالحد المطلوب كي تستعيد نمط الحياة، وفئة معدومة وهي الأكثر خطورة في ظل غياب أي خطط إصلاحية تحسن من أوضاعهم”.

وبالنتيجة، كل هذه الأزمات تبقى رهن إيجاد رؤية استراتيجية للبنان على الرغم من أن الوضع العام يشير إلى أننا بعيدين كل البعد عنها، إلا في حال الوصول إلى اتفاق ما على صعيد المنطقة فمن الممكن أن يتغيّر الوضع في لبنان، أما إن بقى الوضع على حاله فنحن أمام كارثة اجتماعية مرتقبة.

للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا

الخوري لـ” الجمهورية”: سعر الصرف وهمي وحقيقي في الوقت عينه

يقول الاقتصادي بيار الخوري لـ«الجمهورية» ان سعر الصرف الحالي هو وهمي وحقيقي في الوقت نفسه، حقيقي لأنه السعر الذي يتوافق مع آخر سعر صرف اعتمد في السوق السوداء قبل انسحاب المركزي من السوق، ومذّاك يتحرك بهامش لا يزيد عن 100 او 200 ليرة. وتالياً يمكن القول ان الضخ الكثيف لليرة اللبنانية الذي كان يعتمده المركزي في مرحلة سابقة أدى الى انهيار سعر الصرف، بينما انسحابه من السوق ادى الى تهدئة الوضع، فلو أتى انسحابه بوقت أبكر، تاركاً المجال للعناصر الاقتصادية ان تؤدي دورها، ربما ما كان وصل سعر الصرف الى 90 الفاً ولا حتى الى 140 الفاً.

تابع الخوري: أما سعر الصرف فهو وهمي لأنه مُثبت بقرار وغير متروك لعناصر السوق، صحيح ان المركزي ما عاد يتدخل في السوق طابعاً لليرة، انما يتدخل شارياً للدولار. وتساءل: هل كان ممكناً منذ عام الى اليوم تراجع سعر صرف الدولار في ظل توقف المركزي عن طبع الليرة؟ نعم بكل تأكيد، لذلك نقول ونؤكد ان السعر المعتمد اليوم هو وهمي. اضاف: ان ارتفاع فائدة الانتربنك على الليرة والتي وصلت الى 120% و 130% يدل على ان هناك طلباً على الليرة وكان يجب ان ينعكس هذا الامر تراجعاً في سعر الصرف، الا ان المصرف المركزي لم يسمح بذلك وأصرّ على تثبيته على سعر 89500 ليرة.

لماذا يشتري المركزي الدولار؟

وبرّر الخوري تدخل المركزي بالسوق شارياً للدولار لسببين إمّا لرفع احتياطيه من النقد الاجنبي، وامّا لتأمين دولارات تلبية لنفقات الدولة ما حال دون تسجيل اي انخفاض اضافي بسعر صرف الدولار. وأسِف لأنّ هذا التوجه أتى على حساب ثروات الناس ومن خلال الضرائب غير العادلة التي فرضت في موازنة 2025، لافتاً الى ان تراجع سعر الصرف، لو حصل، لكان انعكس ايجاباً على مستوى الاجور وتعويض المودعين وتعويض الثروات التي ضاعت.

واعتبر الخوري ان ما حصل في الاعوام 2022 و 2023 هو انهيار خيالي وغير مبرر ولم يُسمح حتى الان ان يحصل اي توازن حقيقي لسعر الصرف، بل هناك قرار بتثبيته على هذا المعدل لعدة اسباب منها الحفاظ على قيمة الودائع بالليرة، الابقاء على قيمة ديون الدولة بالليرة، والابقاء على مستوى الدخل.

ضخ متعمّد لليرة؟

الى ذلك، لم يستبعد الخوري ان يكون الاسلوب الذي اعتمد في الفترة السابقة من ضخ لليرة في السوق متعمّداً لأنه جاء ليلبّي مجموعات من المصالح الخاصة اعتاشت من هذا الانهيار، فعلى سبيل المثال لا الحصر انّ منصة صيرفة كانت بوابة استفادت منها مجموعات من المصالح الخاصة على مدى سنتين على حساب الليرة، كذلك تعاظمت بعض المصالح عبر بوابة «طبع الليرة» والمضاربة عليها، وأتت «خطة الدعم» تلبية لبعض المصالح ونتكلم هنا عن مبالغ أُهدرت تتراوح ما بين 7 و 14 مليار دولار صُرفت على الدعم الوهمي استفادت منها المصالح الخاصة. وللأسف انّ هذه المصالح الخاصة لا تزال تعمل وتسيطر حتى اليوم ويظهر ذلك جلياً من خلال أزمة الطوابع واحتكارها وبيعها في السوق السوداء في حين تعجز الدولة عن اعتماد الطابع الالكتروني…

ما هو سعر الدولار الحقيقي؟

ورداً على سؤال عن السعر الحقيقي للدولار، قال الخوري: من قرابة العام، أي قبل اندلاع حرب غزة، قلت ان السعر الحقيقي للدولار يتراوح ما بين 50 الى 60 الفاً، اما اليوم فلا يمكن تقديره مرجّحاً ان يكون حوالى 70 الفاً. وقال: لمعرفة السعر الحقيقي للدولار يجب تحريره كليّاً بحيث لا يتدخل المركزي لا بائعاً ولا شارياً للدولار. أضاف: بما ان سعر الدولار لا يتحرك صعوداً ولا نزولاً، فهذا يعني ان هناك قراراً بتثبيته مهما زاد عرض الدولارات. وعَزا هذا التثبيت المتعمّد كي لا تضطر الدولة الى رفع مستوى المعاشات، وتجنّباً لتعاظم دينها بالليرة اللبنانية مجدداً، فديونها بعدما كانت مُحتسبة على دولار 1500 ليرة، باتت محررة اليوم وفق سعر صرف 90 الفاً، ما أمّنَ لها وفراً يقدر بنحو 5600%، اي ما يوازي نحو 94% من قيمة الدين. وعليه، انّ اي تحسّن بالليرة سيؤدي الى رفع قيمة الدين بالليرة على الدولة مجدداً، ويؤدي الى ارتفاع قيمة سندات الدين وهذا ما لا تتمناه.

للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا