الخوري: تعبير تهريب العملة غير علمي في اقتصاد مفتوح

رغم الإنهيار الدراماتيكي والتاريخي لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، يؤكد الخبراء غياب النية لدى مصرف لبنان والحكومة اللبنانية لضخ الدولار في لبنان خشية تهريبه الى مصر وسوريا خصوصاً في ظل حاجة سوريا لدولارات لبنان لإستيعاب تداعيات الزلزال المدمر الذي تعرضت له.
فكيف يمكن بالمفهوم الإقتصادي تهريب الدولارات من لبنان الى سوريا ومصر؟

في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي د. بيار الخوري ان “هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة حول تهريب العملة أهمها ما يشاع منذ مدة طويلة عن تهريب الدولارات من لبنان الى سوريا، وحالياً بدأنا ايضاً نسمع أخباراً جديدة تتحدث عن تهريب الدولارات من لبنان الى مصر”.

ولفت الى انه “ليس هناك في المنطق الإقتصادي ما يتحدث عن تهريب الدولار من اقتصاد الى آخر أو من دولة الى أخرى من دون ان تكون تلك عملية سرقة للعملات الأجنبية او المعادن الثمينة كالذهب، وغير ذلك الدولارات لا تهرّب بل تخرج ارادياً من مالكها في بلد ما الى بلد اخر، وهو فعلياً مالك المال ويحق له التصرف بماله خاصة في النظام اللبناني الذي لا يضع قيود على تحويل العملات او المعادن”.

وقال: “على سبيل المثال، اذا أراد البنك المركزي المصري، وهو أمر مستبعد تماماً، ان يحصل على دولار من لبنان فهناك أسباب اقتصادية ستدفع من يحمل الدولار في لبنان الى تحويله الى مصر او حمله بالشنطة والذهاب الى مصر، وإما سيكون هناك بضائع او خدمات سوف يوفّرها الإقتصاد المصري للإقتصاد اللبناني تخرج في مقابلها هذه الدولارات، وفي غير هاتين الحالتين سيكون هناك عملية سرقة للدولارات وأخذها بطريقة غير مشروعة الى بلد اخر”.

وأضاف: “السرقة غير واردة، ونحن لم نسمع ابداً عن عمليات سرقة لدولارات من دولة الى دولة. ويبقى الاحتمالان الآخران وهذان لا يمكن اعتبارهما تهريب اذا وُجِدا، بل هناك تحويل للعملة مقابل خدمات معينة او مقابل فرص استثمارية اخرى”.

وأشار خوري الى انه “بالنسبة لسوريا يكثر الحديث عن أن عقوبات قيصر تدفع سوريا للإستناد للإقتصاد اللبناني من أجل توفير الدولارات لإقتصادها، ولكن لنسأل أنفسنا سؤال بسيط: كيف يحصل ذلك؟ هل هناك أناس تأتي بالليرات السورية الى لبنان وتحوّلها الى دولارات؟ ومن يأخذ هذه الليرات، أليسوا الصرافين اللذين يحسبون حساب أرباحهم ويعيدون شحن هذه العملات الأجنبية من لبنان اذا لم يجدوا مشترين لها في لبنان او سوريا؟ أليس هناك أسباب إقتصادية بحتة تدفعهم لبيع الدولار الذي في حوزتهم لمن اتى حاملاً الليرة السورية مطالباً تحويلها الى الدولار الأميركي؟”.

ولفت إلى انه “في حال اتى شخصاً من سوريا حاملاً ليرات لبنانية، فهذه مسؤولية السلطة التي تصدر الليرات، كما ان هناك سبب اقتصادي دفع هذه الليرات الى ايدي هذا الشخص. وفي تلك الحالة من حق هذا الشخص تحويل أمواله الى دولار وفقاً للنظام الرائج في لبنان، وهذا لا يمكن اعتباره تهريب للعملة”.

وشدد على ان “تهريب العملة يتم في حالة واحدة وهو اذا كان هناك قيود على تحويل العملات ويقوم أصحاب الحق الإقتصادي بتهريب حقوقهم الى دول اخرى، وهذه هي الحالة الوحيدة التي تُعرّف بتهريب الأموال عبر الحدود. وفي لبنان هذه الحالة غير موجودة، فالناس تخرج أموالها من لبنان لأسباب متعددة منها الحفاظ على أمان المال، لكن هذا شيء والتهريب شيء آخر ففي لبنان ليس هناك أي قيود على إخراج الأموال بالعملات الاجنبية”.

واعتبر خوري ان “تهريب البضائع مسألة مختلفة لا علاقة لها بتهريب الدولارات، اذ ان تهريب البضائع يعود على لبنان بالدولارات أكانت قبضت بالليرة السورية او بالعملة الأجنبية لأن هذه الليرة السورية سيعاد شحنها والتاجر او الطرف الذي قبضها سوف يضمن مخاطرها قبل إعادة شحنها بحيث لا تؤدي الى خسارة تجارية له”.

وأكد ان “لبنان قد يخسر من تهريب البضائع المدعومة اذا وجدت، غير ذلك لا يمكن للبنان ان يكون خاسراً من تهريب البضائع الى سوريا”.

Lebeconomy

الخوري يتحدث لصوت بيروت انترناشونال عن تحديات الدولرة الشاملة

مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار تغزو الدولرة مختلف القطاعات في لبنان ولعل اخرها وليس اخراً دولرة الاسعار في السوبرماركت مع مطالبة اصحاب محطات المحروقات بدولرة اسعار المحروقات.

فهل لبنان يتجه الى الدولرة الشاملة؟ وماذا يعني هذا وما هي تداعياته؟ وهل سيتحمله المواطنون سيما الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية؟

في هذا الاطار، اكد الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري في حديث لصوت بيروت انترناشونال انه لا يمكن للدولة ان تكون سيدة على اراضيها و مواردها وسياساتها من دون ان يكون لديها عملة وطنية سائدة على كل اراضيها موضحاً بان الدول التي تنحى باتجاه الدولرة هي دول تخرج عن الوظائف الاساسية لممارسة السلطة بكل معنى الكلمة مشيراً اننا شهدنا ظواهر دولرة واسعة باقتصادات اميركا اللاتينية والوسطى في مراحل معينة وهذا يدل على عدم قدرة السياسات على حماية العملة بصفتها احد اوجه السيادة الوطنية.

اما بالنسبة للبنان، رأى الخوري ان النزوع الى الدولرة هو ناتج عن مسار طويل انفجر بشكل اعنف عام ٢٠١٩ بمنحى تضخمي تحرك من خلال سعر صرف الدولار وخسارة الموارد المصرفية و اضطرار الدولة بعد انهيار وارداتها للذهاب لطباعة العملة من خلال مصرف لبنان ان لتغطية العجز في موازنتها و ان لاستكمال سياسة تذويب الودائع من خلال دفعها بالليرة اللبنانية اضافةً الى ارتفاع الاجور في القطاع العام و زيادة التضخم بنسبة ١٧٠٠٪؜ خلال ثلاث سنوات و هو ما يعني الحاجة الى طباعة مكثفة لليرة اللبنانية في ظل غياب النمو الاقتصادي حيث انخفض حجم الاقتصاد اللبناني بحدود الثلثين فضلاً عن غياب الواردات الحكومية.

واذ لفت الخوري الى ان مسار الدولرة بدأ تدريجياً منذ ثلاث سنوات لأنه لم يبن على سياسات دولة قوية قال فلتذهب الدولة الى نوع التسعير الذي تريده لكن يجب ان يكون ذلك جزءً من خطة عامة والتي بسبب غيابها ذهبنا الى دولرة الامر الواقع في السنوات الثلاث الماضية و حالياً دخلنا في تشريع الدولرة الذي بدأ مع منصة صيرفة حيث بدأ التسعير عبرها للخدمات العامة كالاتصالات والكهرباء وتحصيل الضرائب بنفس العملة معتبراً انه كان هناك اتجاه عام من قبل الدولة لشرعنة الدولرة قبل القطاع الخاص والان استكملت بدولرة اوسع قطاع استهلاكي في البلد وهو السوبرماركت.

واعتبر الخوري ان دولرة الاسعار تؤدي الى تثبيت المزيد من اللاتوازن بين العرض والطلب لان معظم الاجور في لبنان ما زالت بالليرة اللبنانية سيما القطاع العام الذي هو قطاع ضخم اضافةً الى ان القطاع الخاص اما يدفع جزئياً بالدولار واما يدفع بالليرة اللبنانية معتبراً ان هذا الامر يدفع الى حقد اجتماعي وهذا قد يؤدي الى ان يبحث الموظف عن مداخيل من خلال السمسرة والرشوة والمزيد من الفساد من اجل تعويم راتبه كي يعادل مستوى الاسعار في البلد التي تفاقمت مع التسعير بالدولار.

ورأى الخوري ان الحل بتعويم كل شيئ وعندها لن نكون بحاجة للدولرة ومع الوقت يتحسن سعر صرف الليرة ويصبح هناك قدرة لتعويم الاجور بما يتناسب مع مستوى الاسعار.

ووفق الخوري هناك خطورة كبرى في الاتجاه نحو الدولرة الشاملة حيث يفقد لبنان كل السيطرة.

على نظام النقد في البلد و مع الوقت ينتهي دور السلطة المركزية و تنتهي قدرة وزارة المال على الاقتراض و تنتهي قدرة مصرف لبنان بالسيطرة على السوق.

الخوري للبنان ٢٤: لبنان على سكة الدولرة بقوة الامر الواقع

شئنا أم أبينا، يدور لبنان ومعه القطاعات كافة والمواطنون في فلك العملة الخضراء التي تتأرجح أصلاُ على صفيح السوق الموازية الساخن. وعلى الرغم من عدم تسمية الأمور بأسمائها، إلا أن واقع “الدولرة” لا مفرّ منه، بعد بدء السوبرماركت تسعير سلعها بالدولار الأميركي بقرار رسمي، في حين سبقتها المؤسسات السياحية في الصيف المنصرم إلى هذه الخطوة. فأين المواطن من هذه القرارات؟

قب أسود كبير
وتعقيباً على القرار التي باشرت السوبرماركت بتطبيقه، أشار الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري إلى أن لا معيار محدداً سيلتزم به التجار لناحية تسعير السلع بالعملة الخضراء، لافتاً إلى أن الدولة لا تملك بدورها معايير للتسعير.
وفي هذا الإطار، أوضح الخوري في حديث لـ”لبنان 24″ أنه منذ سنوات كثيرة ماضية، تمّ اعتماد معيار عام قضى بأن هامش الربح التجاري لا يجب أن يتجاوز الـ20%، وبالرغم من عدم العمل به، عادت وزارة الإقتصاد والتجارة وذكّرت بمفاعيله منذ بضعة سنوات.
واعتبر أنه “في ظلّ تفلّت كل نظام الأسعار في البلد، لا معيار للتسعير سوى معيار العرض والطلب كما يقرّره أصحاب مراكز البيع”، متحدثاً عن “ثقب أسود كبير بالنسبة لوجود توازن معيّن لكلّ سوق محدد، ومن ضمن نوع البضائع هناك توازنات أخرى فضلاً عن نوعية المنتج وغيرها من التفاصيل”.
وتابع الخوري: “إذا كان لا بدّ من تحديد معايير، فيجب إنشاء هيئة تابعة لوزراة الإقتصاد والتجارة، مهمتها الأساسية تحديد معيار التسعير، وهو الأمر غير الموجود في لبنان“.
وقال: “عسى لو يتمّ التسعير من خلال تقسيم الأسعار على 1500 وضربها بسعر السوق السوداء. لأنه بسبب الأزمة الدولية، سلع كثيرة ازداد سعرها من المصدر، إلا أن بعض الأسعار التي لا تزال على السعر القديم وحتى أقلّ، هي تلك التي تحتوي على قيمة مضافة مرتفعة من العمالة الداخلية”.

وشدد على أن الفكرة الأساسية اليوم هي أنه” بات بمقدور أصحاب السوبرماركت أن يقرروا بأنفسهم كيفية التسعير بالتحالف مع لشركات المستوردة، بمعزل عن الدولة وعن جمعية المستهلكين، وبالتالي بات تحديد العلاقة بين الطلب والسعر يقع على عاتقهم فقط، الأمر المتعارف عليه أساساً لدى اقتصادات المنافسة الإحتكارية”.

فقر متعدد الأبعاد
واعتبر الخوري أن خطوة التسعير بالدولار الأميركي في السوبرماركت “لا تصبّ في مصلحة المواطن، مشدداً على أن السوق الشفاف القائم على معايير عامة وواضحة تنطبق على الأسواق كافة هو ما يفيده بشكل فعليّ”.

وقال: “لا يمكن تطبيق الدولرة على أسواق محددة وأخرى لا يطبّق عليها هذا الأمر”، مشيراً إلى أن الأجور والفوائد والرسوم والضرائب والإيجارات هي ألغاز حقيقية في السوق وإذا لم ينسحب هذا الأمر عليها، يمكن اعتبار أن كل دولرة لا تصب في مصلحة المواطن لا تصب في مصلحة واردات الدولة”.
وعن المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، لفت الخوري إلى أنهم مكشوفين على الأزمة منذ بدايتها ولا يزالون، بالرغم من الزيادات على الأجور بالليرة.
وكشف أن لبنان يعاني اليوم “من فقر متعدد الأبعاد، إلا أن الناس تستطيع نسبياً حلّ البعد المادي المباشر الذي يتعلّق بميزانية العائلات الشهرية، سواء من خلال مساعدات الأقارب في الخارج، والأعمال غير الشرعية وسواها من الطرق”، معتبراً أن مشكلة الأجور هي من أصعب المشاكل اليوم.

وعن التصريح الضريبي، أكّد الخوري أن التجار لن يصرّحوا بالدولار الأميركي ولن يدفعوا بهذه العملة أيضاً لأن قرار وزير الإقتصاد  قضى بأن يتقاضوا مستحقاتهم بالليرة اللبنانية على الرغم من أنهم سيسعّرون الرفوف بالدولار وبالليرة، إلا أنهم سيصّرحون بالعملة الوطنية كي تحسب الضريبة كما ولو بيعت البضائع على الـ15 ألفاً مهما كانت الكلفة الحقيقية”.

دولرة “بقوّة الأمر الواقع”
إلى ذلك، جزم الخوري أنه في حال نجحت خطوة تسعير البضائع في السوبرماركت بالدولار، فسينسحب هذا الأمر على سائر القطاعات باستثناء الأجور والأمور المتعلقة بالخدمات والرسوم الحكومية والفوائد المصرفية التي تقبض وتسجّل على الحسابات بالليرة.
من هنا، أشار إلى أن التسعير بالدولار قد لا يستدعي قرارات رسمية، بل قد تتمّ الأمور بقوّة الأمر الواقع تماماً كما حصل في بعض محطات المحروقات، كما لم يستبعد أن يصل الأمر إلى القطاع الدوائي.

وختم الخوري حديثه قائلاً إن لا إيجابيات لهكذا قرارات من دون تعويم النظام السعري في لبنان ليس من خلال الدولرة، بل عبر توحيد وتحرير سعر الصرف ما يؤدي إلى توازن الأسواق وعودة القيمة إلى الليرة اللبنانية.

وفي هذا الإطار، أكّد أنه “لا يتمّ العمل على تعويم النظام السعري بسبب قصّ الودائع والتهرب من تعديل الأجور في القطاع الخاص تحديداً، مشدداً على أن كل القرارت المتخذة في هذه الأحوال هي مجتزأة وبالتالي سلبياتها أكثر من إيجابياتها”.

إذاً، لبنان أمام مفترق طرق: التوجه نحو الدولرة الكاملة وإن “بشكل مستتر” مع الأخذ بعين الاعتبار أجور المواطنين، وإمّا العمل بشكل حتميّ على النهوض من التضّخم الذي تفجّر مع انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي والطباعة المستمرة للعملة الوطنية، فضلاً عن  إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي بات أصلاً في مرحلة الموت السريري!