الخوري لـ “هنا لبنان” : لا يمكن إغفال المخاطر التضخمية التي قد ترافق إعادة الإعمار

يرى الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ “إعادة الإعمار تخلق طلبًا هائلًا على البناء، مما يحرك القطاع العقاري ويزيد الطلب على المواد الإنشائية والخدمات العقارية، ما يساهم في تنشيط السوق العقارية وظهور فرص استثمارية جديدة في المناطق المتضررة والجوار. وبذلك، يشكل القطاع العقاري فرصة هامة لتشغيل اليد العاملة، إذ يعتمد بشكل كبير على العمالة المحلية. ستفتح عمليات إعادة الإعمار إذًا المجال لتوظيف الآلاف من العمال في مختلف التخصصات مثل البناء والهندسة والإدارة، مما يساهم في الحد من البطالة، خاصة في المناطق المتضررة”.

ويضيف: “مع ذلك، لا يمكن إغفال المخاطر التضخمية التي قد ترافق إعادة الإعمار إذا تم تنفيذها بسرعة كبيرة ودون تخطيط مدروس. زيادة الطلب على المواد الإنشائية والخدمات في فترة قصيرة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، مما يزيد من تكاليف البناء ويضع ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد. كما أن تدفق الأموال بشكل مفاجئ دون رقابة كافية قد يعزز التضخم ويؤثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين، مما يتطلب سياسات نقدية ومالية متوازنة لتجنب هذه التداعيات”.

ويتوقع الخوري أن “تسهم عملية إعادة الإعمار في تحريك العجلة الاقتصادية، ليس فقط من خلال القطاع العقاري، بل أيضًا عبر القطاعات المرتبطة كالصناعة والخدمات. هذا التحفيز للإنفاق العام والخاص يعزز الدورة الاقتصادية ويسهم في تحسين مستويات النمو”.

ويقول: “لقد ساهم انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة في خلق أجواء من الاستقرار السياسي النسبي في البلاد، وهو ما أعاد الأمل في استعادة الثقة الإقليمية والدولية بلبنان. هذه التطورات شكلت عاملًا أساسيًا لجذب المانحين والمستثمرين، ما يعزز القدرة على تمويل عملية إعادة الإعمار. مع ذلك، يبقى التعاون مع المجتمع الدولي وإظهار جدية الإصلاحات أمرًا حاسمًا لإعادة تدفق الأموال المفقودة واستعادة موقع لبنان على الخارطة الاقتصادية الإقليمية والدولية”.

إلا أنّ هذه الجهود تواجه تحديات أساسية، أبرزها الحاجة إلى تأمين تمويل كافٍ. يعتمد نجاح عملية الإعمار على دعم المانحين والمؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي وصناديق الإعمار الإقليمية، مع ضمان الشفافية في استخدام الأموال المخصصة لهذه المشاريع وتعزيز الرقابة عليها. كما يجب تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والدوليين لدخول السوق العقارية اللبنانية. بحسب ما يؤكده الخوري.

إلى جانب ذلك، يلفت الخوري الى أنّ “الدولة تحتاج إلى وضع سياسات تنظيمية واضحة لتوزيع الأراضي وتراخيص البناء وتقديم تسهيلات ضريبية للمطورين والمستثمرين. ولا يمكن إغفال أهمية التعليم والتدريب في هذا المجال، حيث يجب استحداث برامج تدريبية مهنية لرفع كفاءة اليد العاملة المحلية، مع إشراك الجامعات والمعاهد التقنية في إعداد جيل متخصص في الهندسة والبناء”.

ويتابع: “تعافي القطاع العقاري سيؤدي إلى تحسين مستويات النمو الاقتصادي وتعزيز ثقة المستثمرين في لبنان. كما أن إعادة الإعمار ستعطي دفعة للبنية التحتية، مما ينعكس إيجابيًا على القطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة. ويمكن أن تساهم زيادة النشاط العقاري في استقرار العملة المحلية وتحفيز التدفقات المالية. إذا ما تم استغلال هذه الفرصة بشكل صحيح، فإنّ إعادة الإعمار لن تكون فقط وسيلة لتعويض الخسائر، بل نقطة انطلاق جديدة نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة”.

 

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا 

الخوري لـ”لبنان 24″ : ليس هناك من أرقام دقيقة حول كلفة إعادة الإعمار، ومن المبكر وضع تقديرات نهائيّة

تكشّفت الرؤية لتجسّد هول الدمار، فور وقف إطلاق النار، ليس في القرى الحدوديّة فحسب، بل في بقعة جغرافيّة لا تقل عن ثلث مساحة لبنان، بدءًا من معظم البلدات والمدن الجنوبيّة، مرورًا بضاحية بيروت الجنوبيّة، وصولًا إلى بعلبك والهرمل، وما بينهم من بنايات ومنازل، في بيروت الإدارية وفي عدد من البلدات اللبنانية، طالها القصف والتدمير على امتداد مساحة لبنان. أمام مشهدّية التدمير تحتاج عملية المسح إلى وقت ليس بقليل لتبيان عدد المباني والمنازل التي دُمّرت بشكل كامل أو جزئي، في حين تشير التقديرات غير الرسميّة إلى أنّ عدد الوحدات السكنيّة المدمّرة بلغ 100 ألف وحدة سكنيّة، نصفها مدمّر بشكل كامل.

 

عملية المسح أولًا
ليس هناك من أرقام دقيقة حول كلفة إعادة الإعمار، ومن المبكر وضع تقديرات نهائيّة، وفق عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان الخبير الاقصادي بيار الخوري في حديث لـ “لبنان 24” هناك أرقام متداولة، أبرزها التقديرات الصادرة عن البنك الدولي بفترة مبكّرة والمقدّرة بـ 8.5 مليار دولار، فضلًا عن الرقم الذي أعلنه وزير الاقتصاد أمين سلام والذي يتراوح بين 15 و 20 مليار دولار “باعتقادي رقم وزير الاقتصاد أقرب إلى الواقع، والـ 15 مليار دولار يشكّل الحدّ الأدنى للخسائر. ولكن كلّ هذه الأرقام غير ثابتة، والتقديرات الدقيقة تتطلّب استحداث جهاز متخصّص في عمليات المسح من قبل الحكومة أو من قبل البنك الدولي أو بالتعاون التقني بين الحكومة والمؤسسات الدوليّة. يقوم بمسح المباني المدمّرة تمهيدًا لتقدير الكلفة، ويضاف إلى ذلك الأكلاف غير المباشرة للحرب، وتأثيرها السلبي على معدلات النمو وتراجع الاستثمار”. لكن بصرف النظر عن حجم الخسائر، هناك حقيقة ثابتة، مفادها أنّ التكلفة الماليّة أعظم من قدرة لبنان على تحمّلها، فمن سيمول عمليّة إعمار المنازل المهدّمة والبنية التحتيّة؟

 

الحكومة: تجهيز خطّة متكاملة للإعمار
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومنذ اللحظة الأولى لوقف اطلاق النار، أدرج تحدّي الإعمار في صلب عمل حكومته بالتعاون مع المجتمع الدولي، قائلًا في كلمته بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء عقب وقف إطلاق النار “سنكون مع أهلنا على امتداد الوطن لدعم حضورهم الاجتماعي وتحصين صمودهم بكل ما أوتيت الدولة من قوّة، ونعمل مع المجتمعات الصديقة لإعادة الإعمار وتحقيق عودتهم الكريمة”. تشير المعلومات إلى أنّ الحكومة تعمل على خطّة متكاملة تشمل إعادة ترميم وتأهيل البنى التحتيّة المتضررة في مناطق الاستهدافات وإعمار الوحدات السكنية. وسيصار إلى إجراء مسح بواسطة الأقمار الإصطناعية لكشف الأبنية ما قبل الحرب وما بعدها، لمعرفة حجم الدمار، وصولًا إلى وضع تقديرات دقيقة حول الأكلاف. وبذلك يكون لبنان جاهزًا لعرض خطّته عند توافر ظروف عقد مؤتمر دولي للمانحين.

 

لا تمويل من دون إصلاح
“توافر التمويل من قبل المؤسسات الدولية سؤال كبير، لا يرتبط فقط بحاجات إعادة الإعمار بل بمعادلة الإصلاحات” يقول خوري معتبرًا أنّ مشاكلنا منذ 2019 بلغت مستوى لم يعد الخروج منه ممكنًا لتحقيق إعادة بناء المنازل وإصلاح البنية التحتيّة أو لإعادة النهوض الاقتصادي من دون ورشة اصلاحات على صعيد الدولة وهيكلة القطاع المالي وعلى صعيد الاقتصاد “لا زلنا عند شروط سيدر التي كانت مبنيّة على اقتصاد لا أزمة فيه ولا حرب، فكيف الحال اليوم؟ وما هي الشروط الجديدة؟ باعتقادي لا مفرّ من القيام بورشة اصلاحيّة سريعة وصدمات اقتصادية قويّة، كمدخل إلزامي لتأمين تمويل دولي أبعد من المساعدات الإنسانية، لجهة ضخّ إنفاق إعماري او استثماري، وهذا لا علاقة له بحجم الأزمة، بل بكيفيّة تعامل البلد مع الأزمة وتبعاتها، ومدى الاستعداد لتفكيك مجموعات المصالح الخاصة، ووضع خطّة استراتيجيّة شاملة للمستقبل. خارج هذه المعادلة لن يكون هناك جهة مستعدّة للتمويل”.

 

الدول الخليجية لن تعيد مكرمات 2006 تلقائيًّا
بعد عدوان تموز 2006، سارعت الدول العربيّة لاسيّما الخليجية لمدّ يد العون للبنان، وساهمت بشكّل فعّال في إعادة إعمار ما تهدّم. أمّا اليوم فالواقع مغاير، وما ينطبق على المؤسسات الدوليّة وشروطها ينطبق على  الدول الخليجيّة، يلفت الخوري “خصوصًا المملكة العربية السعوديةكونها المانح الأكبر، ومن الواضح أنّها سحبت يدها من لبنان منذ فترة طويلة، على خلفية الخلل في التوازن على مستوى السلطة السياسيّة من جهة، والرؤية الجديدة لدى القيادة السعودية من جهة ثانية، لجهة حرصها على تبيان نتيجة المال الذي يتم إنفاقه”.

 

خمس سنوات للإعمار
إعادة إعمار البنايات والمنازل هو طرح سطحي، لأنّ عمليّة إعادة الأعمار أشمل بكثير، وتحتاج إلى موارد كبيرة، لن تكون بمجملها من الخارج، بل أن جزءًا منها يجب أن يتأتّى من  الاقتصاد الداخلي، وما ينتجه من فوائد تُستثمر في تأهيل البنى التحتية بكافة وجوهها، إضافة إلى إعادة ترميم البنية الاقتصادية لتصبح جاذبة، وهو ما يحتاج إلى الكثير من الوقت، وإلى التلازم بين ورشة إعادة الإعمار وورشة الاصلاحات بشقّيها الاقتصادي والسياسي. انطلاقًا من هنا لايتوقّع خوري نهوضًا بفترة أقل من عمر الأزمة، إي أنّ إعادة النهوض تحتاج إلى خمس سنوات.

 

إيران ووعود الاعمار
في إطلالته الأولى عقب اتفاق وقف اطلاق النار، واعلانه “النصر الكبير” لم يمنح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم مسألة الإعمار حيّزًا مناسبًا لحجم التساؤلات، وأتى على ذكر الإعمار بشكل عرضي بقوله “سنتابع مع شعبنا وأهلنا عملية الإعمار وإعادة البناء، ولدينا الآليات المناسبة وسنتعاون مع الدولة”. لم يتعهّد بأيّ تمويل من قبل الحزب، ولم ينفِ أو يؤكّد المعلومات التي أشاعها قريبون من الحزب عن مليارات الدولارات التي خصّصتها ايران لهذه الغاية. الدور الإيراني في البناء لا يقتصر على استعدادها لذلك، بل حول قدراتها الماليّة وفق خوري “باعتقادي لا تملك طهران الزخم المالي الذي يمكّنها من تمويل مشروع كبير بحجم إعمار ما هدّمته الحرب. وكمؤشر على ذلك تنتظر ايران أن تثمر مفاوضات الدوحة الإفراج عن 6 مليار دولار لتدعم حاجاتها المحليّة. من جهة ثانية هناك عقوبات قد تمنعها من ذلك، خصوصًا بعد حرص الأميركي على التأكيد أنّ إعادة الإعمار في لبنان مسؤوليّة المجتمع الدولي، بما يمثّله هذا الكلام من دلالات سياسيّة وليست مالية، لجهة التغيير الذي طرأ في لبنان، كنوع من وصاية جديدة لن تتيح المجال لأيّ طرف إقليمي أن يدخل بتمويل فرعي. وقد نكون في هذه الحال أمام سيناريو أخطر كاخضاع الأموال من مصادر داخليّة أو خارجيّة إلى تدقيق  في المصادر، لاسيّما وأنّ لبنان مدرج على القائمة الرمادية”.

 

على عكس عملية إعادة الإعمار التي تلت عدوان تموز 2006، إعادة التجربة بنسختها 2024، لن يكون سهلًا، لاسيّما وأنّ المعطى السياسي لجهة مسؤولية الحزب ودوره في المرحلة المقبلة في الحياة السياسية اللبنانية، سيُؤخذ بالاعتبار في حسابات المانحين.

 

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا