أثار قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب تعليق تمويل كل المشاريع المموّلة من وكالة التنمية الأميركية جملة تساؤلات عن تداعيات هذا القرار على الوضع الاقتصادي في لبنان خصوصا وان Usaid وغيرها من المنظمات غير الحكومية التابعة لها تنشط كثيرا في لبنان بحيث كانت لها اليد الطولى في تحريك العجلة الاقتصادية في عز الازمة المالية من خلال المشاريع الحيوية التي تدعمها والاموال التي تضخها واليد العاملة التي تشغلها؟ فما ستكون تداعيات توقف كل هذه النشاطات لا سيما على قطاع التربية والتعليم، اعادة الاعمار وتأثيرها على النزوح السوري؟
في السياق، رأى عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري لموقعنا Leb Economy ان قرار الرئيس ترامب تعليق تمويل كافة المشاريع الممولة من وكالة التنمية الأميركية USAID في لبنان، والتي بلغ حجم إنفاقها منذ عام 2023 حوالي 123 مليون دولار، يحمل تداعيات اكيدة على الاقتصاد اللبناني الذي يواجه أزمات متعددة. ولفت الى انه في حال امتد هذا القرار ليشمل بقية المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلًا حكوميًا من الولايات المتحدة، سيؤدي إلى انخفاض كبير في التدفقات المالية التي يعتمد عليها العديد من القطاعات الحيوية، مما سيزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وأكد الخوري ان المنظمات غير الحكومية العاملة في لبنان، وخاصة تلك التي تتلقى تمويلًا من الولايات المتحدة، تشكل جزءًا أساسيًا من المشهد الاقتصادي والاجتماعي، حيث تؤمن آلاف فرص العمل للبنانيين. العديد من هذه المنظمات توظف بشكل مباشر مئات الموظفين في مشاريع تنموية وتعليمية وصحية، بالإضافة إلى آلاف آخرين يعملون بشكل غير مباشر عبر الشركات والموردين المتعاملين معها. وتاليا فإن تعليق التمويل سيؤدي إلى فقدان وظائف كثيرة، مما يرفع معدلات البطالة التي تشهد ارتفاعًا متسارعًا بالفعل. كما أن تراجع الدعم المالي لهذه المشاريع سيحرم الاقتصاد اللبناني من ضخ ملايين الدولارات سنويًا، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين ويعمّق الركود الاقتصادي.
القطاعات الاكثر تأثرا
وردا على سؤال، كشف الخوري ان القطاعات الأكثر تأثرًا بقرار تعليق التمويل تشمل التعليم، التنمية الريفية، المياه، الطاقة، والخدمات البلدية، حيث تعتمد العديد من المشاريع الحيوية في هذه المجالات على التمويل الأجنبي. قطاع التعليم، الذي يعاني أصلًا من أزمات حادة نتيجة الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية، سيكون من بين الأكثر تضررًا. أحد أبرز المشاريع الممولة من USAID هو مشروع “كتابي”، الذي خصص له نحو 97 مليون دولار لدعم وزارة التربية والتعليم العالي. تعليق التمويل عن هذا المشروع سيؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم في المدارس الرسمية، حيث سيفقد المعلمون تدريباتهم والمناهج المطورة، كما سيتضرر الطلاب من فقدان الموارد التعليمية الحديثة، مما يزيد من التفاوت بين التعليم الرسمي والتعليم الخاص، ويدفع بالمزيد من الطلاب نحو التسرب المدرسي.
تابع الخوري: في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، يعاني لبنان من تحديات هائلة في استيعاب الطلاب وتأمين مقاعد دراسية لهم، لا سيما في ظل الأعداد الكبيرة للطلاب اللبنانيين والسوريين المسجلين في المدارس الرسمية. تعليق تمويل المشاريع الداعمة للتعليم سيضع مزيدًا من الضغوط على النظام التعليمي، حيث ستنخفض القدرة على تلبية احتياجات المدارس من تجهيزات وموارد تعليمية، مما قد يدفع بالعديد من المدارس نحو الإزمة. كما أن توقف برامج الدعم النفسي والتربوي للطلاب، التي كانت تمولها منظمات دولية، سيؤثر على استقرار البيئة التعليمية، مما يزيد من مستويات التوتر والعنف المدرسي.
النزوح السوري
إلى جانب تأثيره على التعليم، سيؤدي تعليق التمويل الأميركي إلى تداعيات واسعة على ملف النزوح السوري في لبنان، حيث تعتمد العديد من البرامج الإنسانية على الدعم الأميركي في توفير المساعدات الغذائية، الطبية، والسكنية للاجئين السوريين. مع توقف هذه البرامج، ستتقلص الخدمات المقدمة للاجئين، مما قد يؤدي إلى موجات نزوح داخلي جديدة داخل لبنان أو محاولات للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. هذا سيزيد من الضغوط على المجتمعات اللبنانية المضيفة التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، حيث أن فقدان الدعم المالي سيؤدي إلى تصاعد التوترات الاجتماعية بين اللبنانيين واللاجئين نتيجة التنافس على الموارد القليلة المتاحة.
اعادة الاعمار
أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار، يعد التمويل الأميركي عنصرًا مهمًا في بعض مشاريع البنية التحتية، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعتمد على التمويل الدولي لتطوير شبكات المياه، الطاقة، والطرق. تعليق هذه المشاريع سيؤدي إلى تباطؤ خطط إعادة تأهيل البنية التحتية المتدهورة، مما سيؤثر على جودة الحياة اليومية للمواطنين ويزيد من التحديات الاقتصادية، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا والتي تعتمد على هذه المشاريع لخلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة.
وختم الخوري: بشكل عام، فإن تعليق التمويل الأميركي للمشاريع التنموية سيساهم في تعميق الموجة الجديدة من الانكماش الاقتصادي في لبنان، حيث ستتضرر المؤسسات والقطاعات التي تعتمد على هذه التدفقات المالية، مما يزيد من اتساع الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي يعيشها اللبنانيون. مع تراجع الاستثمارات الدولية، وانخفاض الدعم المالي للمشاريع الحيوية، سيواجه لبنان المزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة اليومية، بدءًا من فقدان الوظائف، مرورًا بتدهور مستوى الخدمات العامة، وصولًا إلى ارتفاع معدلات الفقر والهجرة
للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا
مع تأدية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الاثنين الماضي اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية خلفا للديمقراطي جو بايدن، تُفتح الأبواب على مصراعيها لمجموعة من الأسئلة اذ ان عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستحمل تغييرات جوهرية في السياسات الدولية، مع تأثيرات محتملة على التوازنات الإقليمية، لا سيما في الشرق الأوسط، وانعكاس ذلك على لبنان.
وفقاً لعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري “من المتوقع دوليًا أن يعود ترامب إلى سياساته السابقة التي تتسم بالضغط على الصين، وتعزيز الحمائية الاقتصادية، وتصعيد المواجهة مع إيران. هذا التوجه قد يُعيد ترتيب أولويات التحالفات الدولية، مما يعزز من النفوذ الأمريكي في مناطق استراتيجية، بما في ذلك الشرق الأوسط”.
واشار الخوري في إطار حديثه عن المشهد الاقليمي الى ان “سياسات ترامب قد تُعيد التركيز على تعميق العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مثل دول الخليج وإسرائيل”.
وقال في حديث لموقعنا Leb Economy: “بالنسبة للخليج، من المرجح أن نشهد تقاربًا أكبر مع واشنطن، حيث تشكل مواجهة طموحات إيران اهدافا مشتركة استراتيجيًا. هذا التحالف قد يُترجم إلى دعم اقتصادي وسياسي للدول التي تنأى بنفسها عن النفوذ الإيراني. أما في إسرائيل، فمن المتوقع أن تزيد إدارة ترامب من دعمها السياسي والعسكري، مما قد يُشجع تل أبيب على مواصلة سياساتها تجاه إيران وحلفائها في المنطقة، ومن بينهم “حزب الله”.
واضاف: “لبنان، الذي يشهد حاليًا بوادر استقرار داخلي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف شخصية سنية من خارج النخبة السياسية التقليدية لرئاسة الحكومة تماما كما رئيس الجمهورية، يجد نفسه في وضع دقيق ضمن هذا المشهد. هذا التحول الداخلي لقي ترحيبًا خليجيًا، حيث يُنظر إليه كفرصة لإعادة بناء العلاقات التي تدهورت في السنوات الأخيرة. ويُمكن للدعم الخليجي، الذي قد يتزايد في ظل هذا التقارب، أن يساعد لبنان في تجاوز أزمته الاقتصادية الحادة، لكنه يبقى مشروطًا بمدى التزام لبنان بإصلاحات سياسية واقتصادية تُطمئن دول الخليج”.
وشدد الخوري على ان “الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد “حزب الله” أضعفت الحزب عسكريًا ومعنويًا، لكنها لم تؤدِّ إلى فقدان الطائفة الشيعية لدورها المحوري في تقرير مستقبل البلاد. هذا التوازن الدقيق بين القوى السياسية والطائفية في لبنان يجعل من الصعب تصور أي تغيير جذري دون توافق داخلي وإقليمي. في هذا السياق، قد تُحاول إدارة ترامب استغلال ضعف “حزب الله” للضغط أكثر على إيران، مما قد يضع لبنان في دائرة المواجهة الإقليمية”.
ورأى الخوري ان “عودة ترامب قد تُعيد تشكيل العلاقات الدولية والإقليمية بطرق تجعل لبنان في مركز حساس في هذه التحولات. وعلى القيادات اللبنانية أن تتعامل بحذر مع هذه التطورات، مستفيدةً من الدعم الخليجي المتزايد دون الانجرار إلى مواجهات إقليمية قد تعمق أزماتها الداخلية. وسيكون عامل إدارة التوازن بين القوى الدولية والإقليمية حاسماً في استقرار لبنان وقدرته على التعافي في المرحلة المقبلة.”
للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا