الخوري لـ”لبنان 24″ : هذه الحرب الآخذة في الضراوة، وضعت اللبنانيين جميعاً تحت خطّ النار

18 عاماً مرّت على حرب 2006. حينها، أدّت الحرب إلى خسائر اقتصادية قدّرت بحوالي 7 مليارات دولار، وشلّت البلاد على الرغم من أن المؤسسات كانت أكثر انتظاماً ممّا هي عليه اليوم، ومصرف لبنان كان في أوج “عمله”، والأهمّ، كان هناك رئيس للجمهورية. أمّا في حرب اليوم التي تعدّ الأقوى في التاريخ المحليّ الحديث، يجد لبنان نفسه مكشوفاً ليس فقط اقتصادياً، بل مؤسساتياً وسياسياً، وهو الذي لم يتسنّ له بعد أن يتعافى ولو قليلاً من النكبة الإقتصادية التي ألمّت به منذ 2019. فكيف أثّرت وتؤثر حرب اليوم على المدى الإقتصادي؟

لا يختلف اثنان على أن الحرب المستمرة حالياً ليس فقط على الخطوط الجنوبية، إنما في البقاع وفي بيروت أيضاً، أصابت اقتصاد لبنان في صميمه. فشركات الطيران أوقفت رحلاتها نحو مطار بيروت، فضربت معها الموسم السياحي والخدماتي الذي يزدهر صيفاً، وتستمر خطورة هذه الحرب مع حركة النزوح غير المسبوقة من الجنوب وبيروت وكافة المناطق التي طالها العدوان الإسرائيلي.

أما التقديرات الدقيقة للخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب الحالية، فلا يمكن تحديدها بعد بسبب استمرار النزاع، لكن التقارير الأولية تشير إلى خسائر في البنية التحتية وتراجع الأنشطة الاقتصادية في المناطق المتضررة، لا سيما في الجنوب، بحسب البروفسور بيار الخوري.
وفي حديث لـ”لبنان 24″، أوضح الخوري أن الخسائر قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، وقد تم تقدير خسائر البنية التحتية في حرب تموز من العام  2006 بـ 3.6 مليار دولار، لذا من المرجح ان تكون الأرقام أعلى في النزاع الحالي اعتمادًا على حجم الدمار واستمراريته.
وعن التأثيرات المباشرة للحرب على الاقتصاد اللبناني، قال الخوري إن أبرزها ينعكس على البنية التحتية، حيث تدمير الطرق، الجسور، وشبكات الكهرباء والمياه.
وهذه الآثار أيضاً تشهده الزراعة والصناعة، إذ توقف الإنتاج الزراعي في الجنوب، وتعطل عمل بعض المصانع والشركات نتيجة الأضرار المباشرة ونقص الإمدادات.
كما أشار الخوري إلى أنه في ميدان التجارة، فالحديث يدور عن تراجع كبير في التجارة المحلية والدولية، مع زيادة تكاليف الاستيراد بسبب الدمار في المرافئ.
أما من حيث التأثيرات غير المباشرة، فعدد الخوري أوّلها نزوح الآلاف من العائلات نحو المناطق الأكثر أمانًا، مما يزيد الضغط على الخدمات العامة ويزيد من الفقر.
كما أشار إلى انخفاض حاد في حركة السياحة بسبب عدم الاستقرار الأمني، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على التحويلات المالية من الخارج لدعم الأسر المتضررة.
ومن هنا، تحدّث عن انخفاض الثقة بالاقتصاد، أي تراجع الثقة بالأسواق المالية والمصارف، مما يفاقم أزمة الثقة التي يعاني منها لبنان منذ بداية الأزمة المالية.
وفي السياق، قارن الخوري بين تأثير الحروب السابقة والحالية على الاقتصاد اللبناني، قائلاً إن الحروب السابقة، مثل حرب 2006، أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية وتأثيرات اقتصادية مماثلة، لكن السياق الاقتصادي الحالي مختلف بشكل جذري. ففي عام 2006، كان الاقتصاد اللبناني لا يزال في وضع أفضل نسبيًا وكان يمكنه التعافي جزئيًا بفضل المساعدات الدولية.
أما الآن، فيعاني لبنان بالفعل من أزمة مالية حادة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل الأضرار الاقتصادية أكثر تأثيرًا واستدامة.
وأشار على سبيل المثال، إلى أنه خلال حرب 2006، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% تقريبًا، في حين أن الاقتصاد الحالي يشهد بالفعل انكماشًا حادًا يتجاوز 25%.
كما اعتبر الخوري أن إعادة الإعمار بعد الحرب الحالية ستكون مكلفة للغاية، خاصة مع انهيار البنية التحتية والمؤسسات العامة. فتكاليف إعادة الإعمار في حرب 2006 بلغت حوالي 7.6 مليار دولار، ومن المرجح أن تكون أعلى الآن نظرًا للضرر المتزايد وانهيار العملة.
ولفت إلى جانب ذلك، إلى أن قدرة لبنان على استدامة عملية إعادة الإعمار ضعيفة للغاية بدون دعم خارجي كبير. ستؤثر هذه التكاليف على المديونية العامة، التي تتجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي بالفعل، مما يجعل الاقتصاد غير مستدام في غياب إصلاحات هيكلية.
وشدد الخوري على وجوب إنشاء سياسات اقتصادية للتعافي، كالإصلاح المالي حيث يجب على لبنان تنفيذ إصلاحات مالية صارمة لخفض العجز في الميزانية وإعادة هيكلة الدين العام.
ومن هذه السياسات أيضاً، إصلاح القطاع المصرفي بهدف إعادة الثقة في النظام المالي أساسية لبدء عملية التعافي، فضلاً أن أهمية تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة والزراعة والصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وعن دور المجتمع الدولي في هذا المجال، رأى الخوري أن لبنان بحاجة إلى دعم دولي من خلال مساعدات مالية مباشرة وبرامج تنموية، مثلما حدث بعد حرب 2006، حيث لعب المجتمع الدولي دورًا حاسمًا في إعادة الإعمار، لكن هذه المرة ستكون الشروط أصعب، خاصة مع تدهور الأوضاع المالية والفساد.
 كما تطرّق إلى تعميم مصرف لبنان الأخير الذي سمح للمستفيدين من تعاميم السحب الشهري الاستفادة من 3  اضعاف القيمة الشهرية لمرة واحدة وقد يتم تمديدها)، ولكنه أشار إلى أن التحدي يكمن في كيفية استدامة هذه الآلية.
وهنا قال الخوري: “هناك احتمال لزيادة التضخم بسبب زيادة القدرة والحاجة للانفاق في ظل تراجع الانتاج والطلب الاحتياطي على السكن والسلع، مما قد يؤدي في النهاية إلى تدهور محتمل في سعر صرف الليرة خاصة اذا اضطر مصرف لبنان لدعم عمليات الاغاثة”.
وشدد على أن النزوح الجماعي الناتج عن الحرب يضيف عبئًا كبيرًا على الاقتصاد اللبناني. فبحسب التقديرات، يكلف النزوح اللبناني الناتج عن الأزمات السابقة ما بين 10 إلى 15 مليار دولار، تشمل تكاليف الإسكان، الغذاء، الخدمات الصحية، والتعليم، والآن يتزايد الضغط بشكل كبير على الخدمات العامة والبنى التحتية في مناطق النزوح، ما يزيد من معدل الفقر، يفاقم البطالة، ويزيد الطلب على الخدمات التي تعاني أصلاً من ضغوط.
صحيح أن الأرقام لا تزال غير واضحة المعالم، إلا أن هذا الأمر لا يلغي الاتجاه العام للأزمة التي يمر بها لبنان، والتي تتطلب تدخلًا كبيرًا على مستوى السياسات الاقتصادية والدعم الدولي للخروج من هذه الحلقة الصعبة. فهذه الحرب الآخذة في الضراوة، وضعت اللبنانيين جميعاً تحت خطّ النار، إن ليس ميدانياً، فاجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، والأمور ستأخذ وقتاً طويلاً ريثما تستتبّ.
للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا 

الخوري لـ “الجريدة” : وفرة الدولارات ليست كافية لاقتصاد سليم

هل “الدولار الاغترابي” وحده الذي ساهم بوفرة الدولارات في السوق؟ وهل يمكن اعتبار هذه الوفرة أمراً إيجابياً؟ وإلى أي مدى قد تدوم؟

في استنتاج اقتصادي بديهي يربط الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري وفرة الدولارات بأمور عدة، وليس فقط بدولارات المغتربين، ومنها:

أولاً، تحويلات المغتربين حيث يعتمد لبنان بشكل كبير على التحويلات المالية من اللبنانيين العاملين في الخارج، والتي تشكل جزءًا كبيراً من تدفقات العملات الأجنبية إلى البلاد.

ثانياً، الأموال السياسية والجريمة المنظمة، خصوصاً وأن دخول أموال غير مشروعة أو غير مراقبة يمكن أن يزيد من كمية الدولارات في السوق، في ظل غياب قدرة المؤسسات الدولية على تتبع مصادر الأموال نتيجة انهيار القطاع المصرفي.

ثالثاً، التهرب الجمركي، فعمليات التهريب والتهرب الجمركي يمكن أن تلعب دورًا في زيادة تدفقات الدولارات من وإلى السوق المحلي بشكل غير رسمي.

رابعاً المساعدات الدولية إذ أن تلقي مساعدات مالية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية يساهم في زيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية.

خامساً السياحة حيث أن استئناف نشاط السياحة يجلب عملة صعبة من المغتربين اللبنانيين بشكل اساسي يليهم السائح العراقي.

وعن مدى أهمية وتأثير وفرة الدولارات في السوق يقول الخوري: “وفرة الدولارات في السوق أدت إلى استقرار سعر الصرف وزيادة العملة الصعبة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى استقرار أو تحسن قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار”، كما يمكن بشكل جانبي أن تحسن الثقة، فتوفر العملات الأجنبية من شأنه تعزيز الثقة في النظام المالي والمصرفي اللبناني، وأيضاً التشجيع على المزيد من الاستثمار، لكن البيئة الاستثمارية الحالية في لبنان غير جاذبة بسبب غياب السياسات المالية والنقدية والإصلاحات اللازمة”.

وعلى الرغم من ملاحظة وفرة في الدولارات في السوق اللبناني، إلا أننا لم نلحظ أي تأثير إيجابي حقيقي على الاقتصاد.

ويوضح خوري أنه “على الرغم من وفرة الدولارات، فإن العجز في الميزان التجاري لا يزال كبيرًا، حيث بلغ 17 مليار دولار، وهو نفس الرقم تقريبًا قبل الأزمة، وهذا يدل على أن الفائض في العملة الأجنبية لا يُستخدم بشكل فعال لتحسين الميزان التجاري”.

ويضيف: “لم يتحسن الوضع في الخدمات العامة، بل على العكس، تستمر البنية التحتية في التدهور نتيجة للأزمة المالية وعدم الالتفات إلى تمويل الصيانة والتطوير.

أما بالنسبة للنظام المصرفي فيرى أن المصارف اللبنانية متوقفة عن الدفع منذ الأزمة الناشئة بعد 2019، وبالتالي، فإن الدولارات المتوفرة لا تدخل النظام المصرفي بل تزيد من هيمنة اقتصاد الكاش.

أما بالنسبة لمخاطر وتحديات وفرة الدولارات في السوق مؤخراً، فهي كثيرة، حيث تساعد في هيمنة اقتصاد الكاش على السوق الأمر الذي يزيد من مخاطر الفساد والجريمة المنظمة، ويقلل من قدرة الدولة على مراقبة الأموال والسيطرة على السيولة.

إضافة إلى ذلك، فإنها تزيد من دخول الأموال غير مشروعة أو غير المراقبة ما يزيد من الفساد ويعيق الإصلاحات الاقتصادية.

باختصار، يمكننا القول أنه بدون تنفيذ إصلاحات اقتصادية جوهرية، لن يكون الانتعاش الاقتصادي مستدامًا. وفي هذه المرحلة إن وفرة الدولارات تعبر عن قوة الاقتصاد النقدي المليء بالمخاطر، ولتحقيق الفوائد المرجوة لا بد من وجود إصلاحات جذرية في النظام المالي والمصرفي والسياسي لضمان استخدام فعّال ومستدام لهذه الموارد المالية.

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا 

الخوري لـ”النهار”: وقف تصنيف فيتش، فالج لا تعالج

الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. بيار الخوري يوضح أن حالة “التوقف عن الدفع المقيدة” (Restricted Default) التي تصنّفها وكالة فيتش برمز (RD) تعني أن المُصنّف قد فشل في الوفاء ببعض التزاماته المالية لكنه لم يتوقف عن الدفع بشكل كامل لكل التزاماته. بعبارة أخرى، قد يكون الكيان تخلف عن دفع جزء من ديونه أو سنداته، لكنه لا يزال مستمراً في دفع بعض التزاماته الأخرى. مثال على ذلك، إن كان لدى الدولة عدة أنواع من الديون مثل السندات والقروض، وتوقفت عن دفع أحد أنواع السندات ولكنها لا تزال تدفع القروض والديون الأخرى، فإنها قد تُصنّف بـRD”.

هذا التصنيف برأيه “يعكس وضعاً مالياً حرجاً للمصنّف”. ويشير إلى “أن هناك احتمالاً كبيراً لتوقف كامل عن الدفع إن لم تتحسّن الأوضاع المالية”.

تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالة فيتش شهد تدهوراً ملحوظاً على مدار العقد الماضي، حيث خُفض تدريجاً وصولاً إلى تصنيف “التوقف عن الدفع المقيدة” (RD) في عام 2020. فتصنيف لبنان من فيتش تدرج خلال السنوات الأخيرة الى الخلف وفقاً لتراجع وضع المالية العامة والقدرة على استدامة خدمة الدين خصوصاً أن لبنان عشية الأزمة كانت لديه التزامات دولية عبر سندات اليوروبوندز تعادل 35% من الدين العام الإجمالي في لبنان.

في عام 2016 كان تصنيف لبنان في نطاق B، وقد خُفض مرات عدة، بسبب تزايد الضغوط المالية وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. في آب 2019، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى CCC بسبب تزايد المخاطر على قدرة الحكومة على خدمة ديونها.

في آذار 2020، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى CC، ثم خفضته في الشهر عينه مجدداً إلى C نتيجة تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية. وفي وقت لاحق من العام عينه، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى RD بعد إعلان حكومة الرئيس حسان دياب تعليق دفع الديون السيادية لأول مرة في تاريخها. وفي عام 2022 أكدت فيتش تصنيف RD للبنان في تقاريرها، مشيرة إلى المشاكل الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك نقص احتياطيات العملات الأجنبية وتعدد أسعار الصرف وارتفاع التضخم.

أما وقد استنتجت “فيتش” أن التوقف عن التصنيف هو أفضل ما يمكن أن تعطيه للبنان، فإن ذلك وفق الخوري “يبقى نظرياً أفضل من تصنيف التوقف النهائي عن الدفع D”. فتصنيف “D” لدى وكالة فيتش يعني “تعثراً” (Default)، ويشير إلى أن المصنّف قد توقف عن سداد جميع أو جزء كبير من ديونه المستحقة. بعبارة أخرى، يُعدّ المصنف في حالة تعثر عندما يفشل في الوفاء بالتزاماته المالية بشكل كامل ودائم.

هذا التصنيف يُعدّ أدنى تصنيف ممكن لدى “فيتش” ويعكس حالة مالية حرجة، حيث يكون المصنّف غير قادر على تلبية متطلبات ديونه، ويستخدم هذا التصنيف عند حدوث تخلف فعلي عن الدفع، بما يعني أن المستثمرين يواجهون مخاطر عالية جداً بشأن استرداد أموالهم.

فهل يكون التوقف عن التصنيف أفضل من التعثر؟ نظرياً نعم، يقول الخوري، ولكن فعلياً هذه التصنيفات لم يعد لها أيّ قيمة فعلية بسبب تعطل نظام التمويل النظامي في لبنان بكافة أشكاله، وتحوّل سنداته الدولية إلى فئة الخردة (junk) في أسواق التداول الدولي.

“فيتش” اعتبرت أن نقص المعلومات الموثقة عن لبنان فضلاً عن تلكؤه في تنفيذ اتفاق المديرين مع صندوق النقد الدولي يقفان خلف وقف التصنيف. بمعنى آخر أعادت فيتش القول بصيغة احترافية المثل الشعبي: “فالج لا تعالج”.

ما المتوقع بعد إعلان “فيتش” وقف التصنيف؟ يؤكد خوري أن قرار وقف التصنيف واضح ولن يكون هناك تصنيفات أخرى ما دام لبنان لم ينجز أي إجراءات أو إصلاحات يمكن أن تعيده الى لائحة التصنيفات التي تصدر عن الوكالة الدولية، وإلا فإن موقف الوكالة من لبنان يمكن أن يستمر لعشر سنوات.

للاطلاع على كاملًا: اضغط هنا