الخوري لـ”الإقتصاد اللبناني”: الحكومة لا تلجأ إلى مصرف لبنان لتغطية العجز عبر إصدار نقدي جديد بل هي تصرف من حساباتها الموجودة بالليرة

أظهرت ميزانية مصرف لبنان أن حجم النقد المتداول خارج المركزي بلغ نحو 77.8 ترليون ليرة في منتصف أيار مقابل 65.5 ترليون ليرة في نهاية كانون أول 2024، بزيادة مقدارها 12.2 ترليون ليرة منذ بداية العام الحالي اي ما يوازي 136.5 مليون دولار.

واذ يطرح هذا الارتفاع العديد من الأسئلة يجيب عليها موقعنا Leb Economy عبر حديث مع الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري يُنشر على حلقتين: الحلقة الأولى تتناول اسباب هذا الإرتفاع، اما الحلقة الثانية فتتحدث عن مستقبل سعر الصرف في ظله.

قال الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث لموقعنا Leb Economy “إذا أردنا الغوص بعمق في تحليل الوضع النقدي الحالي في لبنان فإن نقطة البداية الحقيقية لا تكون فقط بالأرقام الخام للكتلة النقدية بل بفهم السياق الذي ينتج هذه الأرقام. فإن كان صحيحاً أن حجم النقد المتداول ارتفع من 65.6 إلى 77.8 تريليون ليرة خلال فترة قصيرة (أي بنسبة تقارب 18.6%)، الخطأ الجوهري الذي يقع فيه كثير من المحللين هو التعامل مع هذه الزيادة وكأنها ناتجة فقط عن “طباعة جنونية” أو تمويل مباشر لعجز الدولة، بينما الواقع اللبناني أكثر تعقيدًا وتشابكًا”.

واشار الخوري إلى أن “مصرف لبنان لا يمول الحكومة حاليًا كما كان يفعل في السابق وهذا فرق جوهري”، لافتاً إلى أن “الحكومة اليوم لا تلجأ إلى مصرف لبنان لتغطية العجز عبر إصدار نقدي جديد بل هي تصرف من حساباتها الموجودة بالليرة لدى المصرف المركزي، وهذه الحسابات مصدرها تحصيلات الدولة السابقة والتي تراجعت نتيجة الأضرار الواسعة التي أصابت مناطق عديدة في لبنان، سواء بسبب الأزمة الاقتصادية الممتدة أو بسبب الأحداث الأمنية والاضطرابات”.

ووفقاً للخوري “حين تصرف الحكومة من هذه الحسابات فهي تضخ عمليًا ليرات إضافية في السوق، لكن هذه ليست أموالًا جديدة مولدة من العدم بل هي تحويل لأموال “راكدة” من دفاتر مصرف لبنان إلى جيوب المتعاملين في الاقتصاد”. لكن هنا تأتي الحلقة الثانية المعقدة، حيث ان مصرف لبنان وسّع في الآونة الأخيرة برامج وتقنيات مرتبطة بتقسيط ودائع المودعين خصوصًا عبر التعاميم التي تسمح بتسييل بعض الودائع الدولارية بالدولار الطازج (fresh dollars) وحين يحصل المودعون على هذه الدولارات يقوم كثير منهم ببيعها في السوق مقابل الليرة لتغطية احتياجاتهم اليومية ما يولّد طلبًا حقيقيًا ومتجددًا على الليرة، وهنا يدخل المصرف المركزي في عملية إعادة شراء هذه الدولارات من السوق وضخ المزيد من الليرات الموازية لضبط التوازن المالي. ما يجعلنا امام تدفق مزدوج: من جهة الحكومة تسحب من حساباتها بالليرة ومن جهة أخرى، المودعون يضخون fresh dollars يجري تدويرها في السوق، وكل ذلك يولد طلبًا وليرات إضافية”.

للاطلاع على المقال كاملا:  اضغط هنا 

الخوري لـ” ليبانون ديبايت” : لا يمكن تجفيف الكاش من دون استعادة الثقة

يشرح الخبير الاقتصادي وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري لموقع “ليبانون ديبايت”، أن “تجفيف اقتصاد الكاش لا يمكن أن يُفهم كمجرد إجراء تقني أو إداري، بل هو عملية مُركّبة تتقاطع فيها الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكل منها يفرض معادلاته الخاصة.

من الناحية القانونية، يتطلب الحد من تدفق الأموال خارج النظام الرسمي تعديلات واضحة تطال قوانين العقارات، لا سيما فيما يتعلق بفرض الدفع عبر القنوات المصرفية لأي عملية بيع وشراء تفوق حدًا معينًا”، مشددًا على أن “هذا يجب أن يكون مقترنًا برقابة صارمة على السجلات العقارية ونقل الملكية، لأن أي فجوة بين القانون والتطبيق تُبقي الباب مفتوحًا أمام الاقتصاد الموازي (غير الشرعي). كذلك الأمر في قطاع التجارة، خصوصًا تجارة الجملة والمستوردات، حيث تُشكّل الفواتير الوهمية وغموض التسعير بيئة خصبة للتلاعب. لا يمكن مواجهة ذلك إلا من خلال نظام فوترة إلزامي إلكتروني ومترابط مع دائرة الضرائب والجمارك، يكون مفروضًا على الجميع دون استثناء”.

يضيف: “أما على صعيد المؤسسات، فإن أي إصلاح إداري دون رقمنة عميقة سيبقى سطحيًا. المؤسسات العامة بحاجة إلى أنظمة رقمية تراقب التدفقات المالية، تدمج معلومات التراخيص، الضرائب، سجلات العمل، وحتى الفواتير، بما يسمح ببناء قاعدة بيانات متكاملة يمكن عبرها تتبع النشاطات المشبوهة. لكن الرقمنة وحدها لا تكفي، فهي بحاجة إلى إرادة سياسية جادة ومجتمع مؤسسي مهني قادر على تنفيذ القانون من دون محاباة”.

لا يمكن القضاء على “الكاش” نهائيًا!!

هل يمكن القضاء فعلاً على اقتصاد الكاش؟ يجيب الخوري: “لا بشكل مطلق. التهريب والأنشطة غير المشروعة ستظل تبحث عن منافذ، لكن الهدف الواقعي ليس القضاء التام، بل الحدّ الذي يُخرج تلك الأنشطة من موقع التأثير في الاقتصاد الكلي. في دول عديدة، بما فيها اقتصادات ناشئة، يُشكّل الاقتصاد غير الرسمي بين 20 بالمئة و30 بالمئة من الناتج، وهذا تُقبل به حتى المؤسسات الدولية كصندوق النقد، طالما أن الدولة تعمل على تقليصه تدريجيًا وتحجيم أثره على السياسات العامة”، جازمًا بأن “المهم ألا يكون هذا الاقتصاد ملاذًا لغسل الأموال أو تمويل الفساد السياسي، وهو ما يتطلب تعاونًا دوليًا في تتبع مصادر التحويلات، وتعزيز أدوات التبليغ المالي المشترك. غير أن السؤال الأكثر حساسية يظل في العلاقة بين تجفيف الكاش والإصلاح المصرفي. من الصعب فرض التخلّي عن الكاش إذا لم تكن هناك ثقة فعلية في القطاع المصرفي”.

ويسأل: “كيف يمكن لمواطن أو تاجر أن يعتمد حصريًا على المصارف، إذا كان يخشى على ودائعه أو إذا كانت الرسوم والعمولات تفوق طاقته؟ لذلك فإن أي محاولة لتجفيف الكاش لا بد أن تواكبها إصلاحات مصرفية جذرية، تبدأ من الحوكمة والشفافية، وتصل إلى استقرار سعر الصرف وضمان الودائع وإصلاح نموذج الربحية المصرفي. لا يمكن لمصرف مشلول أن يكون جسراً بين الإقتصاد الرسمي وغير الرسمي، ولا يمكن لشخص أن يخضع لقواعد رقابية صارمة إذا لم يشعر بأن النظام يخدمه كما يُحاسبه”.

ويقترح الخوري عملية قابلة للتطبيق لتقليص حجم الكاش، أولها “فرض الدفع المصرفي الإجباري في القطاعات ذات الخطر العالي مثل العقارات والسيارات والذهب، ثانيها إنشاء نظام فوترة إلكتروني موحد ومربوط ضريبياً، ثالثها تقديم حوافز ضريبية واضحة للمسجلين في النظام الرسمي، رابعها إصلاح المصارف لتكون ملاذاً آمناً وميسّراً لكل الشرائح، مع إعادة هيكلة الأطر التنظيمية التي تشجع على استخدام النقود خارج النظام”. ويختم:”بكلمة واحدة:لا يمكن تجفيف الكاش من دون إستعادة الثقة أولاً، ولا يمكن بناء الثقة من دون عدالة وشفافية في النظام الإقتصادي ككل”.

للاطلاع على المقال كاملا:  اضغط هنا

الخوري لـ”صوت بيروت انترناشونال” : زيارة بعثة صندوق النقد الدولي ركزت على مناقشة السياسات والبرنامج الإصلاحي للحكومة

لفت الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث لـ”صوت بيروت إنترناشونال” إلى أن زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان ركزت على مناقشة السياسات والبرنامج الإصلاحي للحكومة حيث أجرت البعثة لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين من بينهم الرئيس جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومى نواف سلام بالإضافة إلى مصرف لبنان وأعضاء مجلس الوزراء.

وأضاف الخوري: “قد رحبت البعثة بطلب السلطات اللبنانية التفاوض على برنامج جديد تدعمه موارد الصندوق بهدف معالجة التحديات الاقتصادية العميقة التي يواجهها لبنان”. ولكن على الرغم من بعض الإجراءات السياسية الأخيرة التي ساعدت في تحقيق قدر من الاستقرار الاقتصادي مثل انخفاض التضخم واستقرار سعر الصرف بعد القضاء على العجز المالي منذ منتصف عام 2023، أكّد صندوق النقد الدولي أن هذه الخطوات لا تكفي لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة وشدد على الحاجة الماسّة إلى وضع استراتيجية شاملة لإعادة تأهيل الاقتصاد بما يضمن استعادة النمو و تخفيض البطالة وتحسين الأوضاع الاجتماعية.

وفي هذا الإطار، يشير الخوري إلى أن الصندوق شدد على ضرورة تنفيذ إصلاحات جوهرية تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحسين الحوكمة والشفافية وخفض عجز الموازنة و تعزيز استقلالية مصرف لبنان وإصلاح قطاع الطاقة ووقف الهدر والفساد وتعزيز بيئة الأعمال لضمان تحقيق التعافي الاقتصادي المستدام.

ورداً على سؤال حول إمكانية إبرام الحكومة اللبنانية اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي رغم عمرها القصير، قال الخوري: “قد أبدت الحكومة الجديدة التزامها بالتفاوض على برنامج إصلاحي شامل لكن نجاح هذه الجهود يعتمد على مدى التزامها بتطبيق الإصلاحات المطلوبة والتي لطالما شكلت عائقًا أمام أي تقدم في المفاوضات السابقة ومع أن التزام الحكومة الجاد قد يسهم في بناء الثقة مع الصندوق والمجتمع الدولي إلا أن التحديات السياسية الداخلية قد تؤثر على سرعة التنفيذ، فبينما يركز الصندوق رسميًا على الإصلاحات الاقتصادية لا يمكن فصل الوضع الاقتصادي عن السياق السياسي العام”.

ووفقاً للخوري، فعلى الرغم من أن صندوق النقد لا يضع شروطًا سياسية مباشرة إلا أن الدعم الدولي للبنان يرتبط بشكل غير معلن بمسائل سياسية وأمنية مثل ضبط الفساد استقلالية القضاء وتعزيز سيادة الدولة لافتاً إلى أن بعض الدول الكبرى المانحة مثل الولايات المتحدة وفرنسا قد تربط دعمها للبنان بمسألة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني رغم أن هذا ليس شرطًا رسميًا للصندوق وبالتالي فإن البيئة السياسية قد تؤثر بشكل غير مباشر على فرص نجاح المفاوضات لا سيما أن أي مساعدات دولية مشروطة بالإصلاحات الاقتصادية قد تتأثر بالعوامل السياسية والأمنية.

أما بالنسبة لتوقيت التوصل إلى اتفاق، فرأى الخوري بأن ذلك يعتمد على سرعة تنفيذ الحكومة للإصلاحات ومدى تجاوب القوى السياسية مع متطلبات الصندوق، مشيراً إلى أنه لم يتم تحديد جدول زمني دقيق لإنجاز الاتفاق لكن استمرار التواصل والتعاون بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي سيكون عنصرًا حاسمًا في تسريع العملية، ومع أن الصندوق يدرك حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان إلا أنه لن يتنازل عن شروطه الأساسية، إذ يعتبر الإصلاحات شرطًا لا غنى عنه لضمان استدامة أي دعم دولي وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي على المدى البعيد.

للاطلاع على المقال كاملا: اضغط هنا