1.59 مليون شخص في لبنان يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، أي ما نسبته 30% من السكان.
هذا ما أبرزه تقرير صدر أخيراً عن وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي. فأي معايير تعتمد لتحديد المستوى؟ وهل الأرقام تعبر بدقة عن الواقع اللبناني؟.
يستنتج عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الخبير الاقتصادي بيار الخوري أن “بعد مراجعة التقرير الذي يشير إلى أن نحو 1.59 مليون شخص يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، يتضح أن هذه الأرقام تسلط الضوء على واقع معقد يتداخل فيه البعد الاقتصادي والاجتماعي مع التحديات السياسية والديموغرافية التي تواجه البلاد”.
ولكن، بداية لا بد من تعريف الأمن الغذائي؟ يجيب الخوري: ” يُعرَّف انعدام الأمن الغذائي بالحالة التي لا يستطيع فيها الأفراد أو الأسر الحصول على كميات كافية من الغذاء المأمون والمغذي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، سواء بسبب نقص الإمدادات الغذائية أو عدم القدرة على الوصول إليها”.
عامل اللاجئين والمعايير
بلغة الاقتصاد، ما هي المعايير التي تحدد مستوى انعدام الأمن الغذائي لبلد أو شعب؟
يشرح الخوري: ” لتحديد مستوى انعدام الأمن الغذائي، تُستخدم معايير ومؤشرات مثل معدل انتشار النقص التغذوي، معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد باستخدام مقياس تجربة انعدام الأمن الغذائي (FIES)، ومعدلات سوء التغذية بين الأطفال. والأهم أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مثل معدلات الفقر والبطالة تؤدي دوراً رئيسياً في فهم هذا الواقع”.
وفي الخلاصة، يؤكد الخوري أن “الأرقام الواردة في التقرير الأخير تستند إلى أدوات دولية معترف بها، وأبرزها التصنيف المرحلي المتكامل (IPC) لتقويم انعدام الأمن الغذائي. ومع ذلك، فإن دقة هذه الأرقام تخضع للتساؤل بسبب تعقيد الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، بالإضافة إلى وجود اللاجئين الذين يشكلون فئة كبيرة من السكان الأكثر ضعفاً”.
إذن يمكن القول إن الأرقام ليست دقيقة، وإن عنصر اللاجئين يعتبر عاملاً مؤثراً على الأرقام؟
يعتبر الخوري أن “اللاجئين السوريين والفلسطينيين معاً يعيشون في ظروف شديدة الصعوبة، حيث تشير التقديرات إلى أن 90% من الأسر السورية تعيش تحت خط الفقر المدقع، ونصفهم يعاني انعدام الأمن الغذائي. ولا شك، أن إدماج هذه الفئة ضمن الإحصاءات الإجمالية قد يؤدي إلى تضخيم الأرقام، ما يجعلها تبدو غير عاكسة بدقة لواقع اللبنانيين وحدهم”.
ويلفت إلى أن ” وجود اللاجئين يؤثر بشكل كبير على الإحصاءات، إذ إنهم يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية ويواجهون قيوداً على العمل والوصول إلى الخدمات”.
لكن هذا العامل لا يلغي أن “اللبنانيين يعانون أزمات مختلفة”، وفق الخوري، “أبرزها انهيار العملة الوطنية وارتفاع معدلات الفقر، ما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي لديهم لأسباب تختلف عن تلك التي يواجهها اللاجئون. إن الأزمة الاقتصادية الحادة أثرت على الجميع، لكنها ضربت اللاجئين بشكل خاص نظراً إلى اعتمادهم شبه الكامل على المساعدات الدولية التي تراجعت في الآونة الأخيرة.”
أمام هذا الدمج، كيف يمكن الوصول إلى أرقام أكثر دقة؟
يرى الخوري أن ” من الضروري تحليل الأرقام بشكل منفصل بين اللاجئين والسكان المحليين. هذا التفريق يساعد في تقديم صورة أكثر دقة عن واقع الشعب اللبناني، بعيداً عن تأثير الأزمات التي يعاني منها اللاجئون، ويساهم في صياغة سياسات أكثر فعالية واستهدافاً لكل فئة. كذلك، فإن زيادة الشفافية في توضيح منهجيات جمع البيانات يعزز من صدقية التقارير ويساعد في تجنب الشكوك حول دقتها”.
ويختم: “هذا التحليل يبرز أن الشكوك حول الأرقام، بناءً على وجود اللاجئين، ليست مجرد افتراضات بل تعكس واقعاً يتطلب تدقيقاً دقيقاً وإدارة أكثر حساسية للبيانات لتوجيه الحلول بشكل فعال يلبي احتياجات كل الفئات المتضررة”.