الخوري للبنان ٢٤: المقارنة مستحيلة بين ازمة بنوك امريكا وتلك اللبنانية

عاصفة إفلاس ثلاثة مصارف أميركية في أسبوع واحد، شكّلت الحدث المالي الأبرز على الخارطة العالميّة، لاسيّما أنّ إفلاس Silicon Valley Bank يعدّ أكبر انهيار لبنك أميركي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. بلغت أصول المصرف 209 مليار دولار، ولديه ودائع بحوالي 175.4 مليار دولار، ومع ذلك انهار بغضون ساعات. ما الذي حدث؟ وهل النظام المصرفي الأميركي مهدّد برمّته، أمّ أنّ تعامل الإدارة الأميركيّة لجم مسار الإنهيار المصرفي؟ وأيّ تشابه مع الأزمة المصرفيّة اللبنانية لجهة توظيف أموال المودعين في الدين العام الحكومي؟
لا للمقارنة بين ما حصل في لبنان والولايات المتحدة!
وقْعُ الخبر المصرفي الأميركي لبنانيًّا بدا مختلفًا، ليس لأنّ اللبنانيين يعيشون أزمة احتجاز ودائعهم في المصارف منذ العام 2019 فحسب، بل من باب التشابه بين Silicon Valley Bank والمصارف اللبنانية، لجهة توظيف الجزء الأكبر من الودائع في سندات الخزينة، أي في الدين العام. وإن كان الأمر بمثابة خطيئة ارتكبتها المصارف اللبنانية، لا يعدّ الأمر كذلك في بلد كالولايات المتحدة الأميركية، وفق  مقاربة الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري في حديث لـ “لبنان 24″  والمقارنة لا تجوز هنا “لأنّ التوظيف في الولايات المتحدة هو توظيف في وسيلة آمنة، فالمقترض هو حكومة الولايات المتحدة التي تعتمد سياسات كفوءة في إدارة الدين العام وفي إدارة الموازنة، والتي تطبع الدولار. أمّا في لبنان فلجأت المصارف إلى حصر كلّ أموالها في إقراض الدولة، طمعًا بتحقيق الأرباح، وتجاهلت المخاطر المتأتّية عن سوء الإدارة الحكومية، التي كانت المصارف تعرفها حقّ المعرفة، وتشير إليها في تقاريرها الدوريّة، لجهة عدم التعامل مع المال العام بطريقة رشيدة، وهذا ما لا ينطبق على الحكومة الأميركية. بالتالي مشكلتنا في لبنان أبعد من تبعات رفع الفائدة، بل في غياب الإدارة الرشيدة، التي طبعت عمل  الإدارة المصرفيّة أيضًا”.

العلاقة بين رفع الفائدة وإفلاس بنوك أميركية

رَفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة سبع مرات خلال العام الماضى للجم التضخم، والمصرف كونه المُقرض الرئيسي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة منذ الثمانينات، حاز على ودائع كبيرة، أثناء وبعد جائحة كورونا، استثمر الجزء الأكبر منها في السندات الحكومية، بفائدة ثابتة، شأنه شأن مؤسسات عديدة في الولايات المتحدة. لكنّه تكبّد خسائر دفترية بعد ارتفاع أسعار الفائدة، بحيث خسر ما يقارب 15 مليار دولار، وبفعل نقص في السيولة، قام بطرح أسهم جديدة للشراء، بهدف جني 2.5 مليار دولار، ما دفع عملاء البنك إلى سحب ودائعهم. وفق مقاربة الخوري “هناك ما يُدعى Crowding out effect، فعندما ترفع الدولة الفوائد، تنافس القطاع الخاص على القروض، مما يجذب المستثمرين للإكتتاب بسندات الخزينة، فيخسر القطاع أموالًا أو مستثمرين يذهبون إلى سوق السندات، ويضطر المصرف لمنح المودعين فوائد أعلى، من هنا علاقة الأزمة بسياسة رفع الفائدة”. يلفت الخوري إلى أنّ المسار التصاعدي للفائدة من شأنه أن يوقع كل الشركات في حال بقي مستمرًا، ويقع أولًا الأضعف في السوق “في حالة Silicon Valley Bank تضافرت كل الأسباب كي لا تذهب الأموال لتمويل الشركات، والمصرف لم يقم بإدارة المخاطر الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة، وأخطأ بعدم تسييل محفظته في وقت مبكر، عندما بدأت الفوائد بالتصاعد، ووصل إلى مرحلة لم يعد قادرًا على التسييل، وإلا اختل التوازن بين الأصول والقروض. كما أنّ المصرف يوظّف أمواله في توظيفات طويلة الأمد بينما الودائع لديه قصيرة الأمد”.
احتواء الأزمة؟
سارعت السلطات الأميركية إلى ترتيب خطّة إنقاذية، لتهدئة المخاوف وتعزيز ثقة المودعين. وضعت مؤسسة ضمان الودائع الفيدراليّة يدها على المصارف، وبات إفلاس هذه البنوك لا يعني أن أموال المودعين قد ذهبت، بل على العكس تمّ تأكيد تغطية الودائع. وبعد ساعات قليلة على الإفلاس خرجت إدارة الرئيس جو بايدن بخطة لدعم القطاع المصرفي، وتمّ وضع خطة تمويل طارئة لضمان سيولة كافية في النظام المصرفي. التعامل الرسمي الأميركي مع الأزمة وفق الخوري يخالف المناهج المعتمدة عادةً “شهدنا إجراءًا أميركيًّا خارجًا عن كلّ معايير إدارة الأزمات المالية في الولايات المتحدة، وذلك خوفًا من تكرار السيناريو نفسه في المصارف الكبيرة. يبدو أنّ الضغط في الإقتصاد لا يسمح بأقل من ذلك الإجراء، ولو أنّه غير ممكن على المدى الطويل في التعامل مع مصارف أخرى فيما لو واجهت المصير نفسه، إذ لديها ودائع بقيمة 14.5 تريليون دولار، أي ما يعادل نصف الدين العام الأميركي”.
الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة ودورها في إفلاس ثلاث مصارف أميركية، قد تجعل مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يفكّرون في إعادة تقدير زيادات أسعار الفائدة أو في خفض المعدل، في اجتماعهم المقرر في 21 و22 من آذار الحالي، لتجنب إفلاس المزيد من البنوك الأميركية.

الخوري للبنان ٢٤:في ظل الانهيار وغياب الدولة قانون البقاء يرحب بالجريمة المنظمة

لم يعد من المهم تحديد الرقم الذي وصل او سيصل اليه سعر صرف “الدولار” في السوق الموازية، ولم يعد مهما ان تراجع قليلاً الى الوراء او تقدم كثيراً الى الامام، اذ انه وبغض النظر عن حركة “الدولار” باتت حياة المواطن اللبناني رهينة للتضخم الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه ولارتفاع اسعار الخدمات والسلع على حدّ سواء.

لذلك كيف يمكن قراءة واقع الدولار الحالي في لبنان وتأثيراته على مختلف الخدمات التي يحتاجها المواطن؟

“صيرفة” و دولار السوق الموازية
في هذا الاطار أكد الخبير الاقتصادي بيار خوري لـ” لبنان 24″ انه “من الواضح ان الانخفاضات المتتالية التي شهدتها اسواق صرف الدولار بفعل التدخلات التي قام بها مصرف لبنان عبر منصة “صيرفة” تحولت الى “مورفين” او نوع من انواع المهدئات للشعب اللبناني ولمجموعة من المصالح الاقتصادية والمالية الخاصة ببعض الصرافين وبعض المصارف، اذ انه بشكل او آخر يمكن اعتبارهم المستفيد الأول من الحركة التي تشهدها (صيرفة).
وبالتالي، الاستفادات المشار اليها لا يمكن مقارنتها بالمنافع الضئيلة التي تعود على المواطن والتي تأتي بنتيجة المحاولات المستمرة لخفض سعر الدولار، ومن الجدير ذكره ان محاولات تخفيض سعر الدولار ينتج عنها في كل مرة ارتفاع سريع في سعر صرفه ، فيصل سعره الى ما يفوق سعر “صيرفة” بمرتين.

لكن اليوم، وامام بعض المستجدات، بات الحديث عن ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية وثباته على رقم قريب من سعر (صيرفة) مضروب باثنين غير ممكن، وذلك لان (صيرفة) باتت تسير بشكل تلقائي واوتوماتيكي خلف سعر الدولار في السوق الموازية ما يجعل ارقامهما قريبة جدا وهذا ما شهدناه منذ بداية وصول الدولار الواحد الى ما يقارب الـ70 الف ليرة لبنانية.

ومنذ ذلك الحين أصبح المؤشر السعري الخاص بمنصة (صيرفة) مستتبعا للسوق الموازية، وهذا الاستتباع السعري انتقل من مرحلة استتباع الاتجاه الى الاستتباع المباشر، اي انه ومباشرة عند ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ترتفع ارقام (صيرفة) دون اي انذار مسبق”.

“صيرفة” و الدولار الجمركي
ويرى خوري ان “تأثير (صيرفة) على الحياة الاجتماعية في لبنان كبير وغير مضبوط، لان الخدمات العامة والرسوم في لبنان وُضعت على سلم متحرك غير ثابت، وهذا ما شهدنا تطبيقه في عالم فواتير الكهرباء والاتصالات الخلوية كما في تسعير (الدولار الجمركي) الذي بدوره اصبح لديه آلية ارتفاع سعري غير مرتبطة باي قرارات او اجراءات روتينية.

وفي هذا المجال، لا بد من الاشارة الى ان الدولار الجمركي قد يشهد مع الايام المقبلة المزيد من الارتفاع، اذ ان الاتجاه هو المواءمة ما بين سعره ونسب التضخم المرتفعة في البلاد.

وهذه الخطوات المشار اليها اكان عبر الرفع المتواصل لـ(صيرفة) او رفع (الدولار الجمركي) يمكن وضعها في خانة محاولة الدولة ترميم وارداتها بغض النظر عن الاثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن هذه الخطوات، فالمعادلة اصبحت وفقا للشكل التالي: كلما ارتفع دولار السوق الموازية ترتفع (صيرفة) والضرائب المتعلقة بها والدولار الجمركي وبالتالي ترتفع ايرادات الدولة، وهذا ما قد يشير الى غياب اي خطة فعلية وممكنة لمحاربة نسب التضخم الكبير التي يعاني منها المواطن”.

مشهد اجتماعي كارثيّ
ويشير الخبير خوري الى انه “أمام الواقع المشار اليه اعلاه، يمكن الجزم اننا امام مشهد كارثي مكتمل المواصفات على الصعيد الاجتماعي والمعيشي في لبنان، وذلك على الرغم من وجود فئة اجتماعية واسعة في لبنان تمكنت من تحقيق مداخلها وفقا لأرقام ثابتة بالعملة الصعبة.

وانطلاقا من هنا، لا يمكن غض النظر ابدا عن فئة اجتماعية وازنة وواسعة اخرى في لبنان ما زالت تستلم اجورها بالليرة اللبنانية، ما يدفعها لممارسة أكثر من مهنة في محاولة لخلق توازن اقتصادي لحياتها.

فعلى سبيل المثال، بات من غير الممكن لاي عائلة تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية ان تستمر في تأمين الحدّ الادنى ( غذاء، كهرباء، هاتف وتنقل) من متطلبات الحياة بحال لم يقدم مختلف أفرادها على العمل وتأدية اكثر من مهنة في الوقت نفسه.

وهذه الفئة الاجتماعية تُجبر بشكل او آخر للذهاب مرغمة الى الدخول في نفق من مظلم من انواع الجريمة المتعددة والمختلفة نظرا لان قانون الحياة والبقاء يبقى دائما اقوى من قانون الحق”.

الخوري للنهار: لبنان عاجز عن التعامل مع اي زلزال محتمل

يشعر اللبنانيون منذ الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، بهزات أرضية، الأمر الذي أصاب البعض بذعر شديد وعوارض غريبة، خصوصاً لعدم ثقة اللبناننين بأجهزة الدولة لمواجهة أي كارثة جراء وقوع زلزال في لبنان.
الخبير الاقتصادي بيار خوري أكد لـ”النهار العربي” أنه “لا يمكن للطبقة الحاكمة ووزاراتها والموارد المتاحة في الاقتصاد اللبناني أن تستوعب كارثة بحجم زلزال قد يتعرض لبنان له… إذا كانت تركيا تمكنت من استيعاب تداعيات الكارثة عليها وعلى ناسها، فهي احتاجت الى مساعدات ملحة وسريعة وفرق إغاثة دولية لتسريع عمليات الإنقاذ للعالقين تحت الأنقاض”. ولفت إلى أن تركيا “أنها دولة مكتملة من حيث الأجهزة المناط بها إدارة الكوارث، من مستشفيات قادرة على توفير العلاجات والأمكنة الخاصة بالإنقاذ والفرق الإغاثية والطبية وإنشاء البيوت الموقتة لمن فقدوا بمنازلهم جراء الزلزال واللجوء الى تدابير سريعة لترميم طارئ للبنى التحتية لناحية الكهرباء والاتصالات وصولاً الى التعويض على المتضررين لناحية توفير الحاجة الى المساعدة الآنية…”.
أما في لبنان فالوضع مغاير كلياً. فبرأي خوري إن “المشكلة تتجاوز سرعة الإنقاذ لتطاول غياب أي موارد وأجهزة فاعلة رسمياً وما شابه رغم وجود الهيئة العليا للإغاثة – لتوفير التسهيلات التي تصب في عمليات الإغاثة وإدارة الكوارث…”.
ولفت خوري الى أنه “بعد حدوث الارتدادات على لبنان جراء زلزال تركيا وسوريا، لاحظ بعض المراقبين الاقتصاديين أن المواطنين لجؤوا الى الامتناع عن الانفاق – لا سيما من يعتمد منهم على أجرهم الشهري أو تحويلات تأتيهم من الخارج”. وقال “إن إدخار المال بعد الزلزال هو أيضاً جاء عند البعض كردة فعل أو خوف من غياب معيل للعائلة أو أي مصدر رزق جراء وقوع أي زلزال…”.
وشدد على أنه من المهم “التوقف عند تداعيات زلزال سوريا على لبنان، لا سيما أن لبنان لا يمكنه تحمل أي نزوح جديد من سوريا”، متسائلاً عن أثر تدفق النازحين عبر الحدود من سوريا الى لبنان، ومشيراً الى أن هذا الكلام يستند على تصريح وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين، الذي نبّه إلى عجز لبنان عن إستيعاب اي أعداد اضافية للنازحين”.