الخوري لـ”النهار”: وقف تصنيف فيتش، فالج لا تعالج

الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. بيار الخوري يوضح أن حالة “التوقف عن الدفع المقيدة” (Restricted Default) التي تصنّفها وكالة فيتش برمز (RD) تعني أن المُصنّف قد فشل في الوفاء ببعض التزاماته المالية لكنه لم يتوقف عن الدفع بشكل كامل لكل التزاماته. بعبارة أخرى، قد يكون الكيان تخلف عن دفع جزء من ديونه أو سنداته، لكنه لا يزال مستمراً في دفع بعض التزاماته الأخرى. مثال على ذلك، إن كان لدى الدولة عدة أنواع من الديون مثل السندات والقروض، وتوقفت عن دفع أحد أنواع السندات ولكنها لا تزال تدفع القروض والديون الأخرى، فإنها قد تُصنّف بـRD”.

هذا التصنيف برأيه “يعكس وضعاً مالياً حرجاً للمصنّف”. ويشير إلى “أن هناك احتمالاً كبيراً لتوقف كامل عن الدفع إن لم تتحسّن الأوضاع المالية”.

تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالة فيتش شهد تدهوراً ملحوظاً على مدار العقد الماضي، حيث خُفض تدريجاً وصولاً إلى تصنيف “التوقف عن الدفع المقيدة” (RD) في عام 2020. فتصنيف لبنان من فيتش تدرج خلال السنوات الأخيرة الى الخلف وفقاً لتراجع وضع المالية العامة والقدرة على استدامة خدمة الدين خصوصاً أن لبنان عشية الأزمة كانت لديه التزامات دولية عبر سندات اليوروبوندز تعادل 35% من الدين العام الإجمالي في لبنان.

في عام 2016 كان تصنيف لبنان في نطاق B، وقد خُفض مرات عدة، بسبب تزايد الضغوط المالية وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. في آب 2019، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى CCC بسبب تزايد المخاطر على قدرة الحكومة على خدمة ديونها.

في آذار 2020، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى CC، ثم خفضته في الشهر عينه مجدداً إلى C نتيجة تفاقم الأوضاع المالية والاقتصادية. وفي وقت لاحق من العام عينه، خفضت فيتش تصنيف لبنان إلى RD بعد إعلان حكومة الرئيس حسان دياب تعليق دفع الديون السيادية لأول مرة في تاريخها. وفي عام 2022 أكدت فيتش تصنيف RD للبنان في تقاريرها، مشيرة إلى المشاكل الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك نقص احتياطيات العملات الأجنبية وتعدد أسعار الصرف وارتفاع التضخم.

أما وقد استنتجت “فيتش” أن التوقف عن التصنيف هو أفضل ما يمكن أن تعطيه للبنان، فإن ذلك وفق الخوري “يبقى نظرياً أفضل من تصنيف التوقف النهائي عن الدفع D”. فتصنيف “D” لدى وكالة فيتش يعني “تعثراً” (Default)، ويشير إلى أن المصنّف قد توقف عن سداد جميع أو جزء كبير من ديونه المستحقة. بعبارة أخرى، يُعدّ المصنف في حالة تعثر عندما يفشل في الوفاء بالتزاماته المالية بشكل كامل ودائم.

هذا التصنيف يُعدّ أدنى تصنيف ممكن لدى “فيتش” ويعكس حالة مالية حرجة، حيث يكون المصنّف غير قادر على تلبية متطلبات ديونه، ويستخدم هذا التصنيف عند حدوث تخلف فعلي عن الدفع، بما يعني أن المستثمرين يواجهون مخاطر عالية جداً بشأن استرداد أموالهم.

فهل يكون التوقف عن التصنيف أفضل من التعثر؟ نظرياً نعم، يقول الخوري، ولكن فعلياً هذه التصنيفات لم يعد لها أيّ قيمة فعلية بسبب تعطل نظام التمويل النظامي في لبنان بكافة أشكاله، وتحوّل سنداته الدولية إلى فئة الخردة (junk) في أسواق التداول الدولي.

“فيتش” اعتبرت أن نقص المعلومات الموثقة عن لبنان فضلاً عن تلكؤه في تنفيذ اتفاق المديرين مع صندوق النقد الدولي يقفان خلف وقف التصنيف. بمعنى آخر أعادت فيتش القول بصيغة احترافية المثل الشعبي: “فالج لا تعالج”.

ما المتوقع بعد إعلان “فيتش” وقف التصنيف؟ يؤكد خوري أن قرار وقف التصنيف واضح ولن يكون هناك تصنيفات أخرى ما دام لبنان لم ينجز أي إجراءات أو إصلاحات يمكن أن تعيده الى لائحة التصنيفات التي تصدر عن الوكالة الدولية، وإلا فإن موقف الوكالة من لبنان يمكن أن يستمر لعشر سنوات.

للاطلاع على كاملًا: اضغط هنا

الخوري لـ”الجريدة” : منصوري أدخل لبنان بمرحلتين جديدتين خصوصاً عندما أوقف طباعة العملة

قرر مصرف لبنان تجديد العمل بالتعميمين “اليتيمين” 158 و166 لمدة سنة قابلة للتجديد، اعتبارًا من 1 تموز 2024 وهو ما يسمح للمودعين الاستفادة من جزء من ودائعهم وإن كانت بقيمة متدنية جداً وضمن قيود مفروضة عليهم ولا ترقى إلى مستوى رد الوديعة بالكامل. فهل يمكننا اعتبار هذين التعديلين حلاً مناسباً لمعضلة المودعين؟

على الرغم من أن تعديل التعميمين يوسع خيارات المودعين بسحب “فتات” ودائعهم وسط قيود تحول دون إمكانيتهم بسحبها كاملة، إلا أن الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يرى من خلال حديثه لموقع “الجريدة” أن “هذين التعديلين كانا إيجابييان، ومن الواضح أن هناك نية بتوسيع مروحة المستفيدين خصوصاً وأن التعديلات شملت كل الحسابات ما قبل 30 حزيران 2023، حيث أصبح بإمكان المودعين اختيار التعميم الذي يريدون الاستفادة منه، كما يمكن للمستفيدين الإستفادة من التعميم 166 حتى لو كانوا قد استفاد من التعميم 158 سابقاً، وأية عملية تحويل من اللبناني للدولارأو من حساب لآخر أصبحت مشمولة ضمن التعديلات، وهو ما يساهم بتسيير أمور المودعين الصغار”.

إلا أن ذلك لا يعني أن حصة المستفيدين من التعميم 166 عن 150 دولاراً أو المستفيدين من التعميم 158 عن 300 دولار ستزيد من خلال هذين التعميمين بل على العكس، فهذه التعديلات ستبقي الودائع محتجزة في المصارف وتردّ للمستفيدين بحسب التعاميم السابقة حتى “تحرير” الصغرى منها و”تصغير” الودائع الكبيرة. وعلى ما يبدوا أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري اتفق مع المصارف على استعادة جزء من أموالها في الخارج لتمويل هذه السحوبات.

فهل يستفيد المودع من التعديلين من دون عوائق؟

وقال الخوري: “هذين التعديلين هدفهما تقليص دائرة الاستثناءات وفتح الباب أمام المودعين الذين لم يحالفهم الحظ بالاستفادة من التعاميم السابقة، ومن قاموا بتحويل حساباتهم من الليرة إلى الدولار وأيضاً تجار صيرفة والشيكات”.

ويشدّد الخوري على أن “منصوري أدخل لبنان بمرحلتين جديدتين خصوصاً عندما أوقف طباعة العملة والتدخل شاري للدولار وأوقف تمويل الدولة، وعلى أساس هذه الخطوات أصبح بإمكانه تكوين احتياطات بالعملات الأجنبية ما سمح له بتوسيع مروحة المستفيدين وهو ما ترجم عبر التعديلين الأخيرين”.

إلا أن ذلك لا يمكنه أن يكون حلاً جذرياً لمشكلة المودعين، وبحسب الخوري الحل لن يكون إلا بمحاسبة من هرب أمواله إلى الخارج خصوصاً المحظيين سياسياً والمصرفيين الذين استطاعوا الاستفادة من الأزمة على حساب المودعين.

للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا

الخوري لـ”النشرة” : يتحسّن ميزان المدفوعات أو يتراجع بسبب التجارة الخارجية

يستهل عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري حديثه، بالتعريف التقني لميزان المدفوعات على اعتبار أنه سجلّ محاسبي مثل أي سجلّ محاسبي آخر لديه داخل وخارج (إلى/من)، لكن الفارق هو أنه يسجل معاملات البلد مع بقية دول العالم، وبالتالي هناك ثلاثة أنواع من السجلّات:

النوع الأوّل هو الحساب الجاري، وهو يتضمن الفوائد التي نحصل عليها أو ندفعها للخارج، وكذلك تحويلات العاملين بين الداخل والخارج، والأرباح المحققة تدخل أيضًا في هذا الحساب في حال حوّلت عبر البلدان،

النوع الثاني هو الحساب الرأسمالي ويتضمن كل التحويلات والهبات الكبيرة، فلا تدخل في المعاملات اليومية، بل تدخل في الحساب الرأسمالي بميزان المدفوعات،

النوع الثالث هو الحساب المالي ويتضمّن كل الأموال التي تأتي لغرض الاستثمار، وكل التحويلات الرأسمالية تمر من خلاله.

يتحسّن ميزان المدفوعات أو يتراجع بسبب التجارة الخارجية، فإذا كنا نصدّر أكثر ممّا نستورد فهذا يعني أنّ ميزان السلع والخدمات يتحسّن، وبالتالي نحصل على فائض يؤثر على ميزان المدفوعات والعكس بالعكس. في لبنان نحن لدينا مشكلة كبيرة في هذا الميزان، فنحن نصدر 2 إلى 3 مليارات دولار ونستورد ما بين 17 و19 مليار دولار. والسبب الأساسي لخروج العملات الأجنبية من لبنان هو هذا الميزان. السبب الثاني هو تحويلات المغتربين المالية فلبنان بلد معروف بأنه يستقطب ما بين 6 و8 مليارات دولار من الخارج وتسدّ جزءًا من العجز الحاصل في ميزان التجارة. العامل الثالث هو الاستثمارات المالية، إذ كلما زاد استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو الاستثمارات بالمحفظة لشراء سندات أو أسهم فهذا يعني دخول عملات أجنبية إلى البلد، ما يؤدي إلى تحسين الميزان، والعكس بالعكس. أما العامل الرابع والذي يعدّ موضوعًا حسّاسًا جدا للمخاطر السيادية للبلد، فهو الوضع الأمني والاقتصادي، فمع سوء هذا الوضع كل الاستثمارات أكان في المحفظة أم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أم التحويلات المالية مرشحة للتراجع. إذن فالظروف الأمنية والسياسية تؤثر مباشرة على حجم التحويلات الواردة وتشجّع التحويلات الخارجة من البلد.

ويربط الخوري سبب تحسّن ميزان المدفوعات مؤخّرًا مباشرة بالسياسة الجديدة التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، الذي أوقف طبع النقد، وبالتالي لم يعد يخلق قدرة شرائيّة إضافية مجّانية تؤدي إلى زيادة الطلب لأسباب وهمية، مع عدم خلق منافع تخلق بدورها طلبًا، وذلك من أموال أوجدت دون إنتاج، وبالتالي خفّت القدرة على زيادة الضغط على المستوردات رغم أنّ هذه الأخيرة هي بالأساس كبيرة الحجم. ويكمن الفرق في أنّ ميزان المدفوعات عندما يتحسّن هو يفعل هذا لأحد سببين: إمّا زيادة احتياط المصرف المركزي وإمّا زيادة موجودات المصارف في الخارج. نحن نعلم أنّ ما بين السنة الماضية والسنة الحالية هناك زيادة بحدود 1.3 مليار دولار في احتياطات المصرف المركزي. وعندما نحتسب مجموع ميزان المدفوعات يجب أن يعادل على الأقل، إن لم يكن هناك نقص ولا زيادة بحسابات البنوك مع المراسلين، وهذا كفيل بحد ذاته، بأن يشير إلى أنه يجب أن يكون هناك تحسّن بهذا الحجم.

بالنسبة لدور الحاكمية الجديدة والمصرف المركزي يقول الخوري لدينا مشكلة، وعلى الرغم من كون الحاكمية أكثر عقلانية من سابقتها أيام الحاكم رياض سلامة، فاليوم كل أدوات السياسة النقدية هي أدوات معطّلة، فليس هناك سياسة قطع، بعد خروج مصرف لبنان من سوق القطع بائعًا للدولار. وهناك الآن سياسة مقابلة وحيدة الجانب وتتمثل بشراء الفائض.

من ناحية أخرى نحن ليس لدينا سياسة تشجّع الاستثمار، فاليوم ليس هناك استثمارات إلا في قطاع المطاعم دون الفنادق، لأنه يعمل على مواسم باتت محصورة إلا أنها قويّة، ولأن هناك نماذج جديدة ريادية تجري تجربتها في لبنان وتنجح إلى حد بعيد خاصة وأن لدينا مناطق سياحية، ولكن هذا لا يختزل كل الاقتصاد. كل هذا لأننا نفتقر إلى السياسات التي تشجع على الاستثمار، إضافة إلى المشكلة الرئيسية في حاجتنا إلى إصلاحات ضرورية فهذا الاقتصاد اهترأ ووقع، ولا يستطيع النهوض إلا بإصلاحات هيكلية للقطاع الخاص وللقطاع العام وللبنية التي سيعمل بها القطاع الخاص.

بالنسبة للوضع في الجنوب، إذا تطوّر إلى حرب فكل شيء يذهب هباءً. ورهاننا أن يكون هناك مجموعة من المعادلات الإقليمية والدولية التي تمنع الحرب. أما إن ذهبنا إلى الحرب فهذا يعني الانقطاع عن الحضارة، وسنفقد الاقتصاد في تلك اللحظة. إذن فخطر الانزلاق إلى حرب واسعة يهدد الاقتصاد برمته ويهدد وجود البلد.

لا يمكننا القول إننا دخلنا في مرحلة التعافي، فمرحلة التعافي دون إصلاحات ودون استثمارات حقيقية هي غير موجودة. نحن فقط نلعب في الوقت الضائع ونحاول الاستفادة من بعض الفرص التي تتوفر للمصرف المركزي. إضافة إلى السؤال الكبير المطروح حول كيفية دخول كل هذه الأموال للاستيراد في بلد بلا إنتاج، حتى وإن كان ميزان المدفوعات يتحسن بسببها. وهل هذه الأموال تستطيع تأسيس اقتصاد ذي طبيعة مستدامة؟ بالتأكيد لا.

للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا